الفواكه إذ هي أمر ملائم لمزاج البدن ومن تأمل أدنى تأمل ظهر له فروق لاتحصى بين اللذتين وأما في الصفة الثانية فثبوت الاصل في شجرة معرفة الله تعالى أقوى وأكمل لأن عروقها راسخة في جوهر النفس القدسية وهو جوهر مجرد آمن عن الكون والفساد بعيد عن التغير والفناء وأيضا مدد هذا الرسوخ إنما هو من تجلى جلال الله وهو من لوازم كونه سبحانه في ذاته نور النور ومبدأ الظهور وذلك مما يمتنع عقلا زواله وأما في الصفة الثالثة فلأن شجرة المعرفة لها أغصان صاعدة في هواء العالم الالهي وأغصان صاعدة في هواء العالم الجسماني والنوع الاول اقسامه كثيرة يجمعها قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : التعظيم لامر الله تعالى ويدخل فيه التأمل في دلائل معرفته سبحانه كاحوال العوالم العلوية والسفلية وكذا محبة الله تعالى والتشوق اليه سبحانه والمواظبة على ذكره جل شأنه والاعتماد عليه وقطع النظر عما سواه جل وعلا الى غير ذلك والنوع الثاني أقسامه كذلك ويجمعها قوله E والشفقة على خلق الله تعالى ويدخل فيه الرأفة والرحمة والصفح والتجاوز عن الاساءة والسعي في ايصال الخير الى عباد الله تعالى ودفع الشرور عنهم ومقابلة الاساءة بالاحسان الى مالا يحصى وهي فروع من شجرة المعرفة فان الانسان كلما كان متوغلا فيها كانت هذه الأحوال عنده أكمل وأقوى وأما في الصفة الرابعة فلأن شجرة المعرفة موجبة لما عملت من الاحوال ومؤثرة في حصولها والمسبب لاينفك عن السبب فدوام أكل هذه الشجرة أتم من دوام أكل الشجرة المنعوتة فهي أولى بهذه الصفة بل ربما توغل العبد في المعرفة فيصير بحيث كلما لاحظ شيئا لاحظ الحق فيه وربما عظم ترقيه فيصير لايرى شيئا الا يرى الله تعالى قبله وأيضا قد يحصل للنفس من هذه المعرفة الهامات نفسانية وملكات روحانية ثم لايزال يصعد منها في كل حين ولحظة كلام طيب وعمل صالح وخضوع وخشوع وبكاء وتذلل كثمرة هذه الشجرة وفي قوله سبحانه : باذن ربها دقيقة عجيبة وذلك لأن الانسان عند حصول هذه الأحوال السنية والدرجات العلية قد يفرح بها من حيث هي هي وقد يترقى فلا يفرح بها كذلك وانما يفرح بها من حيث أنها من المولى جل جلاله وعند ذلك يكون فرحه في الحقيقة بالمولى تبارك وتعالى ولذلك قال بعض المحققين : من آثر العرفان للعرفان فقد وقف بالساحل ومن آثر العرفان لا للعرفان بل للمعروف فقد خاض لجة الوصول .
وذكر بعضهم في هذا المثال كلاما لايخلو عن حسن وهو أنه إنما مثل سبحانه الايمان بالشجرة لأن الشجرة لاتستحق أن تسمى شجرة الا بثلاثة أشياء : عرق راسخ وأصل قائم وأغصان عالية فكذلك الايمان لايتم الا بثلاثة أشياء : معرفة في القلب وقول باللسان وعمل بالاركان ولم يرتض قدس سره تفسير الشجرة بالنخلة ولا الحين بما شاع فقال : بعد نقل كلام جماعة إن هؤلاء وان أصابوا في البحث عن مفردات ألفاظ الآية ألا أنهم بعدوا عن ادراك المقصود لأنه تعالى وصف شجرة بالصفات المذكورة ولا حاجة بنا الى أن تلك الشجرة هي النخلة أم غيرها فانا نعلم بالضرورة أن الشجرة الكذائية يسعى في تحصيلها وادخارها لنفسه كل عاقل سواء كان لها وجود في الدنيا أو لم يكن لأن هذه الصفة أمر مطلوب التحصيل واختلافهم في تفسير الحين أيضا من هذا الباب والله تعالى أعلم وذكر تبارك وتعالى في المثل الثاني شجرة أيضا الا انه تعالى وصفها بثلاث صفات .
الصفة الاولى كونها خبيثة وذلك يحتمل أن يكون بحسب الرائحة وأن يكون بحسب الطعم وأن يكون بحسب الصورة وأن يكون بحسب اشتمالها على المضار الكثيرة