و ما مصدريه و من متعلقة بأشركتموني أي كفرت باشراككم اياي الله تعالى في الطاعة لأنهم كانوا يطيعونه في أعمال الشر كما يطاع الله تعالى في أعمال الخير فالاشراك استعارة بتشبيه الطاعة به وتنزيلها منزلته أو لأنهم لما أشركوا الاصنام ونحوها بايقاعه لهم في ذلك فكأنهم أشركوه والكفر مجاز عن التبري كما في قوله تعالى : ويوم القيامة يكفرون بشرككم ومراد اللعين أنه ان كان اشراككم لي بالله تعالى هو الذي أطعمكم في نصرتي لكم وخيل اليكم ان لكم حقا علي فاني تبرأت من ذلك ولم أحمده فلم يبق بيني وبينكم علاقة وارادة اليوم حسبما ذكرنا هو الظاهر فيكون الكلام محمولا على انشاء التبري منهم يوم القيامة وجوز النسفي أن يكون اخبارا عن أنه تبرأ منهم في الدنيا فيكون من قبل متعلقا بكفرت أو متنازعا فيه .
وجوز غير واحد أن تكون ما موصولة بمعنى من كما قيل في قولهم سبحان ماسخركن لنا والعائد محذوف و من قبل متعلق بكفرت أي إني كفرت من قبل حين أبيت السجود لآدم عليه السلام بالذي أشركتمونيه أي جعلتموني شريكا له بالطاعة وهو الله D فأشرك منقول من شركت زيدا للتعدية الى مفعول ثان والكلام على هذا اقرار من اللعين بقدم كفره وبيان لأن خطيئته سابقة عليهم فلا إغاثة لهم منه فهو في المعنى تعليل لعدم اصراخه إياهم وزعم الامام انه لنفي تأثير الوسوسة كأنه يقول : لاتأثير لوسوستي في كفركم بدليل أني كفرت قبل أن وقعتم في الكفر بسبب وسوسة أخرى وإلا لزم التسلسل فثبت بهذا أن سبب الوقوع في الكفر شيء آخر سوى الوسوسة وكان الظاهر على هذا تقديمه على قوله : ما أنا بمصرخكم إلى آخره ولا يظهر لتأخيره نكتة يهش لها الخاطر ومنهم من جعله تعليلا لعدم اصراخهم إياه وهو مما لاوجه له إذ لا احتمال لذلك حتى يحتاج إلى التعليل وقيل : لأن تعليل عدم إصراخهم بكفره يوهم أنهم بسبيل من ذلك لولا المانع من جهته .
واعترض بأن نحو هذا الابهام جار في الوجه الأول وهم الكفرة الذين لاتنفعهم شفاعة الشافعين وتعقب في البحر القول بالموصولية بأن فيه اطلاق ما على الله تعالى والأصح فيها أنها لاتطلق على آحاد من يعلم و ما في سبحان ماسخركن يجوز أن تكون مصدرية بتقدير مضاف أي سبحان موجد أو ميسر تسخيركن لنا .
وقال الطيبي : إن ما لاتستعمل في ذي العلم الا باعتبار الوصفية فيه وتعظيم شأنه والمثال على ذلك أي سبحان العظيم الشأن الذي سخركن للرجال مع مكركن وكيدكن وكون ما موصولة عبارة عن الصنم أي إني كفرت بالصنم الذي أشركتمونيه مما لاينبغي أن يلتفت اليه إن الظلمين لهم عذاب اليم .
22 - الظاهر أنه من تمام كلام إبليس قطعا لأطماع الكفار من الاغاثة والاعانة وحكى الله تعالى عنه ماسيقوله في ذلك الوقت ليكون تنبيها للسامعين وحثا لهم على النظر في عاقبتهم والاستعداد لما لابد منه وان يتصوروا ذلك المقام الذي يقول فيه الشيطان مايقول فيخافوا ويعملوا ماينفعهم هناك وقيل : إنه من كلام الخزنة يوم ذاك وقيل : إنه ابتداء كلام من جهته تعالى وأيد بأنه قرأ الحسن وعمرو بن عبيد أدخل في قوله تعالى : وأدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بصيغة المضارع المسند إلى المتكلم وأنت تعلم أنه إذا اعتبرت هذه القراءة مؤيدة لهذا القول فلتعتبر قراءة الجمهور أدخل بصيغة الماضي المبني للمفعول مؤيدة لما قبله فان المدخلين الملائكة عليهم السلام فتأمل وكأن الله تعالى