ويحصلها لنفسه وليس من الله تعالى الا التمكين ولا من الشيطان الا التزيين ولو كان الامر كما تزعم المجبرة لقال : فلا تلوموني ولا أنفسكم فان الله تعالى قد قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه وليس قوله المحكي باطلا لايصح التعلق به والا لبين الله سبحانه بطلانه وأظهر إنكاره على أنه لاطائل في النطق بالباطل في ذلك المقام ألا ترى كيف أتي بالصدق الذي لاريب فيه في قوله : إن الله وعدكم إلى آخره وقوله : وما كان لي عليكم إلى آخره اه .
واعترض قوله : والا لبين سبحانه بطلانه بأنه ينقلب عليه في قول المستكبرين لو هدانا الله لهديناكم إذ لم يعقب بالبطلان على وجه التوريك الذي ادعاه وكذلك قوله : على أنه لاطائل إلى آخره .
والجواب ان الاول غير متعين لذلك الوجه كما سمعت ومع ذلك قد عقب بالبطلان في مواضع عديدة ويكفي حكاية الكذب عنهم في ذلك الموطن وذلك في الموطن على توهم أنه نافع كما حكى الله تعالى عنهم أما بعد قضاء الامر ودخول أهل الجنة والنار النار فلا يتوهم لذلك طائل البتة لاسيما والشيطان لاغرض له في ذلك فافترقا قائلا وموطنا وحكما بل الجواب أن أهل الحق لاينكرون توجه اللائمة عليهم وأن الله تعالى مقدس عن ذلك وحجته البالغة وقضاؤه سبحانه الحق حيث أثبتوا للعبد القدرة الكاسبة التي يدور عليها فلك التكليف وجعلوا لها مدخلا في ذلك فانه سبحانه إنما يخلق أفعاله حسبما يختاره وسلبهم التأثير الذاتي عن قدرته لاينفي اللوم عنهم كما بين في محله وماذكره من أنه لو كان الامر إلى آخره مبني على عدم الفرق بين مذهب أهل الحق الملقبين عنده بالمجبرة وبين مسلك المجبرة في الحقيقة والفرق مثل الصبح ظاهر هذا واستدل بظاهر الآية على أن الشيطان لاقدرة له على تصريع الانسان أو تعويج أعضائه وجوارحه أو على ازالة عقله لأنه نفى أن يكون له تسلط بالوسوسة .
وأجاب من زعم القدرة على نحو ذلك بأن المقصود في الآية نفي أن يكون له تسلط في أمر الاضلال الا بمحض الوسوسة لانفي أن يكون له تسلط أصلا والسياق أول والسياق أدل قرينة على ذلك وانتزع بعضهم من الآية ابطال التقليد في الاعتقاد قال ابن الفرس : وهو انتزاع حسن لأنهم اتبعوا الشيطان بمجرد دعواه ولم يبطلوا منه برهانا فحكى ذلك عنهم متضمنا لذمهم ثم الظاهر أن هذه الدعوة من الشيطان أعني ابليس بلا واسطة وهي إن كانت في وقت واحد لمتعددين مما يعسر تصوره ولا يبعد أن يقال : إن له اعوانا يفعلون كما يفعل لكن لما كان ذلك بأمره تصدى وحده لما تصدى ونسبت الدعوة اليه وللامام الرازي في الآية كلام طويل ساقه لبيان كيفية الدعوة والقاء الشيطان الوسوسة في قلب الانسان وأكثره عند المحدثين والسلف الصالحين أشبه شيء بوساوس الشياطين ولعل التوبة تفضي إن شاء الله تعالى إلى تحقيق ذلك بعون الله تعالى القادر المالك ماأنا بمصرخكم اي بمغيثكم مما أنتم فيه من العذاب يقال : استصرخني فأصرخته اي استغاثني فأغثته وأصله من الصراخ وهو مد الصوت والهمزة للسلب كأن المغيث يزيل صراخ المستغيث .
وما أنتم بمصرخي مما أنا فيه وفي تعرضه لذلك مع أنه لم يكن في حيز الاحتمال مبالغة في بيان عدم اصراخه إياهم وإيذان بأنه أيضا مبتلى بمثل ما ابتلوا به ومحتاج إلى الاصراخ فكيف له باصراخ الغير ولذلك آثر الجملة الاسمية والمراد استمرار النفي لا نفي الاستمرار وكذا يقال في التأكيد فكان ما مضى جوابا منه عن توبيخهم وتقريعهم وهذا جواب استغاثتهم به في دفع مادهمهم من العذاب وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش