ومرادهم بالكفر بها الكفر بدلالتها على صحة رسالتهم أو الكتب والشرائع وحاصله أنهم أشاروا إلى جوابهم هذا كأنهم قالوا : هذا جوابنا لكم ليس عندنا غيره إقناطا لهم من التصديق وهذا كما يقع في كلام المخاطبين أنهم يشيرون الى أن هذا هو الجواب ثم يقررونه أو يقررونه ثم يشيرون بأيديهم الى أن هذا هو الجواب فضمير أيديهم وأفواههم إلى الكفار والأيدي على حقيقتها والرد مجاز عن الاشارة وهي تحتمل المقارنة والتقدم والتأخر وقال أبو صالح : المراد أنهم وضعوا أيديهم على أفواههم مشيرين بذلك للرسل عليهم السلام أن يكفوا ويكتموا عن كلامهم كأنهم قالوا : اسكتوا فلا ينفعكم الاكثار ونحن مصرون عن الكفر لانقلع عنه .
فكم أنا لاأصغي وأنت تطيل .
فالضمير أن للكفار أيضا وسائر ما في النظم على حقيقته .
وأخرج ابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ان المراد أنهم عضوا أيديهم غيظا من شدة نفرتهم من رؤية الرسل وسماع كلامهم فالضميران أيضا كما تقدم واليد والفم على حقيقتهما والرد كناية عن العض ولا ينافي الحقيقة كون المعضوض الأنامل كما في قوله تعالى : عضوا عليكم الأنامل من الغيظ فان من عض موضعا من اليد يقال حقيقة إنه عض اليد وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ان المراد أنهم وضعوا أيديهم على أفواههم تعجبا مما جاء به الرسل عليهم السلام وهذا كما يضع من غلبه الضحك يده على فيه فالضميران وسائر مافي النظم كما في القول الثاني وجوز أن يرجع الضمير في أيديهم إلى الكفار وفي أفواههم إلى الرسل عليهم السلام وفيه احتمالان الأول أنهم أشاروا بأيديهم إلى أفواه الرسل عليهم السلام أن اسكتوا والآخر أنهم وضعوا أيديهم على أفواه الرسل عليهم السلام منعا لهم من الكلام وروى هذا عن الحسن والكلام يحتمل أن يكون حقيقة ويحتمل أن يكون استعارة تمثيلية بأن يراد برد أيدي القوم إلى أفواه الرسل عليهم السلام عدم قبول كلامهم واستماعه مشبها بوضع اليد على فم المتكلم لاسكاته وظاهر مافي البحر يقتضي انه حقيقة حيث قال : إن ذلك أبلغ في الرد واذهب في الاستطالة على الرسل عليهم السلام والنيل منهم وان يكون الضمير في أيديهم للكفار وضمير أفواههم للرسل عليهم السلام .
والايدي جمع يد بمعنى النعمة أي ردوا نعم الرسل عليهم السلام التي هي أجل النعم من مواعظهم ونصائحهم وما أوحى اليهم من الشرائع والأحكام في أفواههم ويكون ذلك مثلا لردها وتكذيبها بأن يشبه رد الكفار ذلك برد الكلام الخارج من الفم فقيل : ردوا ايديهم اي مواعظهم في أفواههم والمراد عدم قبولها وقيل : المراد بالأيدي النعم والضمير الاول للرسل عليهم السلام أيضا لكن الضمير الثاني للكفار على معنى كذبوا ما جاءوا بأفواههم أي تكذيبا لا مستند له وفي بمعنى الباء وقد أثبت الفراء مجيئها بمعناها وأنشد وأرغب فيها 1 عن لقيط ورهطه ولكنني عن سنبس لست أرغب وضعف حمل الايدي على النعم بأن مجيئها بمعنى ذلك قليل في الاستعمال حتى أنكره بعض أهل اللغة وان كان الصحيح خلافه والمعروف في ذلك الايادي كما في قوله :