الحياة الدنيا الفانية المفصحة عن وخامة العاقبة بمقابلة كون مسلوكه محمود العاقبة والصد عنه بازاء كونه سالكه عزيزا .
وقال الحوفي وأبو البقاء : إنه صفة الكافرين ورد ذلك أبو حيان بأن فيه الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي وهو من عذاب شديد سواء كان في موضع الصفة لويل أو متعلقا بمحذوف ونظير ذلك على الوصفية قولك : الدار لزيد الحسنة القرشي وهو لايجوز لأنك قد فصلت بين زيد وصفته بأجنبي عنهما والتركيب الصحيح فيه أن يقال : الدار الحسنة لزيد القرشي أو الدار لزيد القرشي الحسنة وقيل إذا جعل من عذاب شديد خبر مبتدأ محذوف والجملة اعتراضية لايضر الفصل بها وهو كما ترى وجوز أن يكون محله النصب على الذم أو الرفع عليه بأن يقدر أنه كان نعتا فقطع أي هم الذين وجوز أن لايقدر ذلك ويجعل مبتدأ خبره قوله تعالى أولئك في ضلال أي بعد عن الحق بعيد .
3 .
- وهو على غير هذا الوجه استئناف في موضع التعليل وفيه تأكيد لما أشعر به بناء الحكم على الموصول والمراد أنهم قد ضلوا عن الحق ووقعوا عنه بمراحل وفي الآية من المبالغة في ضلالهم مالايخفى حيث أسند فيها إلى المصدر ماهو لصاحبه مجازا كجد جده إلا أن الفرق بين مانحن فيه وذاك أن المسند اليه في الأول مصدر غير المسند وفي ذاك مصدره وليس بينهما بعد .
ويجوز أن يقال : إنه أسند فيها ما للشخص الى سبب إتصافه بما وصف به بناء على أن البعد في الحقيقة صفة له باعتبار بعد مكانه عن مقصده وسبب بعده ضلاله لأنه لو لم يضل لم يبعد عنه فيكون كقولك : قتل فلانا عصيانه والاسناد مجازي وفيه المبالغة المذكورة أيضا وفي الكشاف هو من الاسناد المجازي والبعد في الحقيقة للضال فوصف به فعله ويجوز أن يراد في ضلال ذي بعد أو فيه بعد لأن الضال قد يضل عن الطريق مكانا قريبا وبعيدا وكتب عليه في الكشف أن الاسناد المجازي على جعل البعد لصاحب الضلال لأنه الذي يتباعد عن طريق الضلال فوصف ضلاله بوصفه مبالغة وليس المراد ابعادهم في الضلال وتعمقهم فيه .
وأما قوله : فيجوز أن يراد في ضلال ذي بعد فعلى هذا البعد صفة للضلال حقيقة بمعنى بعد غوره وأنه هاوية لا نهاية لها وقوله : أو فيه بعد علي جعل الضلال مستقر للبعد بمنزلة مكان بعيد عن الجادة وهو معنى بعده في نفسه عن الحق لتضادهما واليه الاشارة بقوله : لأن الضال قد يضل مكانا بعيدا وقريبا والغرض بيان غاية التضاد وأنه بعد لايوازن وزانه وعلى جميع التقادير البعد مستفاد من البعد المسافي إلى تفاوت مابين الحق والباطل أو مابين أهلهما وجاز أن يكون قوله : ذي بعد أو فيه بعد وجها واحدا إشارة الى الملابسة بين الضلال والبعد لابواسطة صاحب الضلال لكن الأول أولى تكثيرا للفائدة ثم قوله تعالى : أولئك في ضلال دون أن يقول سبحانه : أولئك ضالون ضلالا بعيدا للدلالة على تمكنهم فيه تمكن المظروف في الظرف وتصوير اشتمال الضلال عليهم اشتمال المحيط على المحاط وليكون كناية بالغة في اثبات الوصف أعني الضلال على الأوجه فافهم وما أرسلنا أي في الأمم الخالية من قبلك كما سيذكر ان شاء الله تعالى إجمالا من رسول إلا متلبسا بلسان قومه متكلما بلغة من أرسل اليهم من الأمم المتفقة على لغة سواء بعث فيهم أولا وقيل : بلغة قومه الذين هو منهم وبعث فيهم ولا ينتقض الحصر بلوط عليه السلام فانه تزوج منهم وسكن معهم وأما يونس عليه السلام فانه من القوم الذين أرسل اليهم كما قالوه فلا حاجة الى القول بأن ذلك باعتبار الاكثر