الاذن بذلك المعنى للكل واضح وعليه يدور كون الانزال لاخراجهم جميعا وعدم تحقق الاذن بالفعل في بعضهم لعدم تحقق شرطه المستند إلى سوء اختيارهم ورداءة استعدادهم غير مخل بذلك ومن هنا فساد قول الطبرسي : إن اللام لام الغرض لا لام العاقبة والالزم أن يكون جميع الناس مؤمنين والواقع بخلافه وذكر الامام ان المعتزلة استدلوا بهذه الآية على أن أفعال الله تعالى تعلل برعاية المصالح ثم ساق دليل أصحابه على امتناع ذلك وذكر أنه إذا ثبت الامتناع يلزم تأويل كل ماأشعر بخلافه وتأويله بحمل اللام على لام العاقبة ونحوها ونقل عن ابن القيم وغيره القول بالتعليل وأنه مذهب السلف وأن في الكتاب والسنة مايزيد على عشرة آلاف موضع ظاهره في ذلك وتأويل الجميع خروج عن الانصاف وليس الدليل على امتناع ذلك من المتانة على وجه يضطر معه إلى التأويل والشيخ ابراهيم الكوراني في بعض رسائله كلام نفيس في هذا الغرض سالم فيما أرى عن العلة إن أردته فارجع اليه والباء متعلقة بتخرج على ماهو الظاهر وجوز أن يكون متعلقا بمضمر وقع حالا من مفعوله أي ملتبسين باذن ربهم ومنهم من جوز كونه حالا من فاعله أي ملتبسا باذن ربهم وتعقب بأنه يأباه اضافة الرب اليهم لا اليه صلى الله عليه وسلّم ورد بمارد فتأمل واستدل بالآية القائلون بأن معرفة الله تعالى لاتحصل الا من طريق التعليم من الرسول A حيث ذكر فيها أنه E هو الذي يخرج الناس من ظلمات الضلال إلى نور الهدى وأجيب بأن الرسول E كالمنبه وأما المعرفة فانما تحصل من الدليل واستدل بها أيضا كل من المعتزلة وأهل السنة على مذهبه في أفعال العباد وتفصيل ذلك في تفسير الامام .
إلى صراط العزيز الحميد .
1 .
- الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور فيما تقدم أعني قوله تعالى : إلى النور وقال غير واحد : إن صراط بدل من النور وأعيد عامله وكرر لفظا ليدل على البدلية كما في قوله تعالى : للذين استضعفوا لمن آمن منهم ولا يضر الفصل بين البدل والمبدل منه بما قبله لأنه غير اجنبي إذ هو من معمولات العامل في المبدل منه على كل حال واستشكل هذا مع الاستعارة السابقة بأن التعقيب بالبدل لايتقاعد عن التعقيب بالبيان في مثل قوله تعالى : حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر وأجيب بأن الصراط استعارة أخرى للهدى جعل نورا أولا لظهوره في نفسه واستضاءة الضلال في مهواة الهوى به ثم جعل ثانيا جادة مسلوكة مأمونة لاكبنيات الطرق دلالة على تمام الارشاد .
وفي الارشاد أن اخلال البيان والبدل بالاستعارة إنما هو في الحقيقة لا في المجاز وهو ظاهر وجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف على أنه جواب سائل يسأل إلى أي نور فقيل : إلى صراط إلى آخره وإضافة الصراط اليه تعالى لأنه مقصده أو المبين له وتخصيص الوصفين الجليلين بالذكر للترغيب في سلوكه إذ في ذلك إشارة إلى أنه يعز سلوكه ويحمد سابله وقال أبو حيان : النكتة في ذلك أنه لما ذكر قبل إنزاله تعالى لهذا الكتاب وإخراج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم ناسب ذكر هاتين الصفتين صفة العزة المتضمنة للقدرة والغلبة لانزاله مثل هذا الكتاب المعجز الذي لايقدر عليه سواه وصفة الحمد لانعامه بأعظم النعم لاخراج الناس من الظلمات إلى النور ووجه التقديم والتأخير على هذا ظاهر .
وقال الامام : إنما قدم ذكر العزيز على ذكر الحميد لأن الصحيح أن أول العلم بالله تعالى العلم بكونه تعالى قادرا ثم بعد ذلك العلم بكونه عالما ثم بعد ذلك بكونه غنيا عن الحاجات والعزيز هو القادر والحميد هو العالم الغني فلما كان العلم بكونه تعالى قادرا متقدما على العلم بكونه عالما بالكل غنيا عنه لاجرم قدم ذكر العزيز على ذكر