إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه واجعله سعادة ومغفرة فانك تمحو ماتشاء وتثبت وعندك أم الكتاب .
وأخرج ابن جرير عن شقيق أبي وائل أنه كان يكثر الدعاء بهذه الدعوات اللهم ان كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء وان كنت كتبتنا سعداء فاثبتنا فانك تمحو ماتشاء وتثبت .
واخرج ابن سعد وغيره عن الكلبي انه قال : يمحو الله تعالى من الرزق ويزيد فيه ويمحو من الاجل ويزيد فيه فقيل له : من حدثك بهذا فقال : أبو صالح عن جابر بن عبدالله بن رئاب الانصاري عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأبو حيان يقول : ان صح شيء من ذلك ينبغي تأويله فمن المعلوم ان السعادة والشقاوة والرزق والاجل لايتغير شيء منها والى التعميم ذهب شيخ الاسلام قال بعد نقل كثير من الأقوال : والانسب تعميم كل من المحو والاثبات ليشمل الكل ويدخل في ذلك موارد الانكار دخولا أوليا وما أخرجه ابن جرير عن كعب من أنه قال لعمر رضي الله تعالى عنه : ياأمير المؤمنين لولا آية في كتاب الله تعالى لأنبئتك بما هو كائن الى يوم القيامة قال : وما هي قال قوله تعالى : يمحو الله مايشاء الآية يشعر بذلك وأنت تعلم أن المحو والاثبات اذا كانا بالنسبة الى مافي ايدي الملائكة ونحوه فلا فرق بين السعادة والشقاوة والرزق والاجل وبين غيرها في ان كلا يقبل المحو والاثبات وان كانا بالنسبة الى ما في العلم فلا فرق أيضا بين تلك الأمور وبين غيرها في ان كلا لا يقبل ذلك لأن العلم انما تعلق بها على ماهي عليه في نفس الامر والا لكان جهلا وما في نفس الامر مما لايتصور فيه التغير والتبدل وكيف يتصور تغير زوجية الاربعة مثلا وانقلابها الى الفردية مع بقاء الاربعة أربعة هذا مما لايكون أصلا ولا أظنك في مرية من ذلك ولا يأبى هذا عموم الادلة الدالة على أنه ماشاء الله تعالى كان لأن المشيئة تابعة للعلم والعلم بالشيء تابع لما عليه الشيء في نفس الأمر فهو سبحانه لايشاء الا ما عليه الشيء في نفس الامر قيل : ويشير الى أن مافي العلم لايتغير قوله سبحانه : وعنده أم الكتاب .
93 .
- بناء على أن أم الكتاب هو العلم لأن جميع مايكتب في صحف الملائكة وغيرها لايقع حيثما يقع الا موافقا لما ثبت فيه فهو أم لذلك أي اصل له فكأنه قيل : يمحو مايشاء محوه ويثبت مايشاء اثباته مما سطر في الكتب وثابت عنده العلم الأزلي الذي لايكون شيء الا على وفق ما فيه وتفسير أم الكتاب بعلم الله تعالى مما رواه عبدالرزاق وابن جرير عن كعب رضي الله تعالى عنه والمشهور أنها اللوح المحفوظ قالوا : وهو أصل الكتب اذ ما من شيء من الذاهب والثابت إلا وهو مكتوب فيه كما هو .
والظاهر ان المراد الذاهب والثابت مما يتعلق بالدنيا 1 لا مما يتعلق بها وبالآخرة أيضا لقيام الدليل العقلي على تناهي الابعاد مطلقا والنقلي على تناهي اللوح بخصوصه فقد جاء انه من درة بيضاء له دفتان من ياقوت طوله مسيرة خمسمائة عام وامتناع ظرفية المتناهي لغير المتناهي ضروري ولعل من يقول بعموم الذاهب والثابت يلتزم القول بالاجمال حيث يتعذر التفصيل وقد ذهب بعضهم الى تفسير أم الكتاب بما هو المشهور والتزم القول بأن مافيه لايتغير وإنما التغير لما في الكتب غيره وهذا قائل بعدم تغير مافي العلم لما علمت ورأيت في نسخة لبعض الافاضل كانت عندي وفقدت في حادثة بغداد ألفت في هذه المسئلة وفيها أنه ما من شيء الا ويمكن تغييره وتبديله حتى القضاء الأزلي واستدل لذلك بأمور منها أنه قد صح من دعائه