صلى الله تعالى عليه وسلم في القنوت : وقني شر ماقضيت وفيه طلب الحفظ من شر القضاء الأولي ولو لم يمكن تغييره ماصح طلب الحفظ منه ومنها ماصح في حديث التراويح من عذره صلى الله عليه وسلّم عن الخروج اليها وقد اجتمع الناس ينتظرونه لمزيد رغبتهم فيها بقوله : خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها فانه لامعنى لهذه الخشية لو كان القضاء الأزلي لايقبل التغيير فانه إن كان قد سبق القضاء بأنها ستفرض فلابد أن تفرض وإن سبق القضاء بأنها لاتفرض فمحال أن تفرض على ذلك الفرض على أنه قد جاء في حديث فرض الصلاة ليلة المعراج بعد ماهو ظاهر في سبق القضاء بأنها خمس صلوات مفروضة لاغير فما معنى الخشية بعد العلم بذلك لولا العلم بامكان التغيير والتبديل ومنها ما صح أنه A كان يضطرب حاله الشريف ليلة الهواء الشديد حتى أنه لاينام وكان يقول في ذلك : أخشى أن تقوم الساعة فانه لامعنى لهذه الخشية أيضا مع اخبار الله تعالى أن بين يديها ما لم يوجد إذ ذاك كظهور المهدي وخروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج ودابة الارض وطلوع الشمس من مغربها وغير ذلك مما يستدعي تحققه زمانا طويلا فلو لم يكن E يعلم أن القضاء يمكن تغييره وان ماقضى من أشراطها يمكن تبديله ماخشى A من ذلك ومنها أن المبشرين بالجنة كانوا من أشد الناس خوفا من النار حتى أن منهم من كان يقول : ليت أمي لم تلدني وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول : لو نادى مناد كل الناس في الجنة الا واحدا لظننت أني ذلك الواحد وهذا مما لاينبغي له مع اخبار الصادق وتبشيره له بالجنة والعلم بأن القضاء لايتغير ومنها أنه لولا امكان التغيير للغا الدعاء إذ المدعو به إما أن يكون قد سبق القضاء بكونه فلا بد أن يكون والا فمحال أن يكون وطلب ما لابد أن يكون أو محال أن يكون لغو مع أنه قد ورد الأمر به والقول بأنه لمجرد اظهار العبودية والافتقار إلى الله تعالى وكفى بذلك فائدة يأباه ظاهر قوله تعالى : ادعوني أستجب لكم وأيضا أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : لاينفع الحذر من القدر ولكن الله تعالى يمحو بالدعاء مايشاء من القدر واخرج ابن مردويه وابن عساكر عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن قوله تعالى : يمحو الله مايشاء الآية فقال له E : لأقرن عينك بتفسيرها ولأقرن عين أمتي بعدي بتفسيرها الصدقة على وجهها وبر الوالدين واصطناع المعروف يحول الشقاء سعادة ويزيد في العمر ويقي مصارع السوء وهذا لايكاد يعقل على تقدير أن القضاء لايتغير وفي الاخبار والآثار مما هو ظاهر في امكان التغيير مالايحصى كثرة ولعل من ذلك الدعاء المار عن ابن مسعود ثم ان القضاء المعلق يرجع في المال إلى القضاء المبرم عند مثبته فلا يفيده التعلق بذلك في وقع مايرد عليه ودفع مايرد على القول بالتغير من أنه يلزم منه التغير في ذاته تعالى لما أنه ينجر إلى تغير العلم وهو يوجب التغير في ذاته تعالى من صفة إلى أخرى أو يلزم من ذلك الجهل وهذا مأخوذ من الشبهة التي ذكرها جمهور الفلاسفة في نفي علم الله تعالى بالجزئيات المتغيرة فانهم قالوا : إنه تعالى إذا علم مثلا أن زيدا في الدار الآن ثم خرج عنها فاما أن يزول ذلك العلم ولا يعلم سبحانه أنه في الدار أو يبقى ذلك العلم بحاله والاول يوجب التغير في ذاته سبحانه والثاني يوجب الجهل وكلاهما نقص يجب تنزيه الله تعالى عنه بما دفعوا به تلك الشبهة وهو ماذكر في المواقف وشرحه من منع لزوم التغير فيه تعالى بل التغير إنما هو في الاضافات لأن العلم عندنا اضافة مخصوصة وتعلق بين العالم والمعلوم أو صفة حقيقية ذات اضافة فعلى الاول يتغير نفس العلم وعلى الثاني يتغير اضافاته فقط وعلى التقديرين لايلزم تغير في صفة موجودة