وأنت تعلم أنه لامانع من اعتباره ويكون معنى الآية قل في جوابهم : إني إنما أمرني الله تعالى بما هو من معالي الامور واليه أدعو وقتا فوقتا واليه مرجعي ومرجعكم فيثيبني على ما أنا عليه وينتقم منكم على انكاركم وتخلفكم عن اتباع دعوتي أو فحينئذ يظهر حقية جميع ماأنزل الى ويتبين فساد رأيكم في انكاركم شيئا منه وقد يقال على عدم اعتباره نحو ما قيل فيما قبل : إن المعنى قل في مقابلة انكارهم إني إنما أمرني الله تعالى بما أمرني به واليه ادعو واليه مرجعي فيما يعرض لي في أمر الدعوة وغيره فلا أبالي بانكاركم فانه سبحانه كاف من رجع اليه ولعل هذا المعنى هنا من حيث انه فيه تأسيس محض منه هناك واقتصر في الارشاد على جعل الكلام الزاما وجعله نكتة أمره صلى الله عليه وسلّم بأن يخاطبهم بذلك وذكر أن قوله تعالى : وكذلك أنزلناه حكما عربيا شروع في رد إنكارهم لفروع الشرائع الواردة ابتداء أو بدلا من الشرائع المنسوخة ببيان الحكمة في ذلك وأن الضمير راجع لماأنزل اليك والاشارة إلى مصدر أنزلناه أو انزل اليك اي مثل ذلك الانزال البديع الجامع لأصول مجمع عليها وفروع متشعبة الى موافقة ومخالفة حسبما يقتضيه قضية الحكمة أنزلناه حاكما يحكم في القضايا والواقعات بالحق ويحكم به كذلك والتعرض لهذا العنوان مع أن بعضه ليس بحكم لتربيته وجوب مراعاته وتحتم المحافظة عليه والتعرض لكونه عربيا أي مترجما بلسان العرب للاشارة إلى أن ذلك إحدى مواد المخالفة للكتب السابقة مع أن ذلك مقتضى الحكمة اذ بذلك يسهل فهمه وإدراك اعجازه يعني بالنسبة للعرب وأما بالنسبة الى غيرهم فلعل الحكمة ان ذلك يكون داعيا لتعلم العلوم التي يتوقف عليها ماذكر ومنهم من اقتصر على اشتمال الانزال على أصول الديانات المجمع عليها حسبما يفيده على رأي قوله تعالى : قل إنما أمرت إلى آخره وتعقب بأنه يأباه التعرض لاتباع أهوائهم وحديث المحو والاثبات وانه لكل أجل كتاب فان المجمع عليه لايتصور فيه الاستتباع والاتباع وقيل : ان الاشارة إلى انزال الكتب السالفة على الانبياء عليهم السلام والمعنى كما أنزلنا الكتب على من قبلك أنزلنا هذا الكتاب عليك لأن قوله تعالى : والذين آتيناهم الكتاب يتضمن انزاله تعالى ذلك وهذا الذي انزلناه بلسان العرب كما أن الكتب السابقة بلسان من أنزلت عليه وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم والى هذا ذهب الإمام وأبو حيان وقال ابن عطية : المعنى كما يسرنا هؤلاء للفرح وهؤلاء لانكار البعض أنزلناه حكما الى آخره وليته ما قيل والابلغ الاحتمال الأول مما أشرنا اليه ونصب حكما على الحال من المنصوب أنزلناه واذا أريد به حاكما كان هناك مجاز في النسبة كما لايخفى ونصب عربيا على الحال أيضا أما من ضمير انزلناه كالحال الأولى فتكون حالا مترادفة أو من المستتر في الأولى فتكون حالا متداخلة ويصح أن يكون وصفا لحكما الحال وهي موطئة وهي الاسم الجامد الواقع حالا لوصفه بمشتق وهو الحال في الحقيقة والاول أولى لأن حكما مقصود بالحالية هنا والحال الموطئة لاتقصد بالذات .
واختار الطبرسي أن معنى حكما حكمة كما في قوله تعالى : وءاتيناه الحكم والنبوة وهو أحد أوجه ذكرها الامام ونصبه على الحال أيضا فلا تغفل واستدلت المعتزلة بالآية على حدوث القرآن من وجوه الاول انه تعالى وصفه بكونه منزلا وذلك لايليق الا بالمحدث .
الثاني أنه وصفه بكونه عربيا والعربي أمر وضعي وما كان كذلك كان محدثا الثالث أنها دلت على أنه انما كان حكما عربيا لأن الله تعالى جعله كذلك والمجعول محدث وأجاب الامام بأن كل ذلك انما يدل على ان المركب من الحروف والاصوات محدث ولا نزاع فيه