أبو علي الجبائي : المعنى يضل من يشاء عن ثوابه ورحمته عقوبة له على كفره فلتسم ممن يجيبه الله تعالى إلى ما يسأل لإستحقاقكم العذاب والضلال عن الثواب ويهدي إلى جنته من تاب وآمن ثم قال : وبهذا تبين أن الهدى هو الثواب من حيث علق بقوله تعالى : من أناب والهدى الذي يفعله سبحانه بالمؤمن هو الثواب لأنه يستحقه على ايمانه وذلك يدل على أنه تعالى يضل عن الثواب لاعن الدين بالكفر على ما ذهب اليه من خالفنا هو لا يخفى ما فيه .
الذين امنوا بدل من من أناب بدل كل من كل فان أريد بالهدية المستمرة فالأمر ظاهر لظهور كون الايمان مؤديا اليها وان أريد احداثها فالمراد بالذين آمنوا الذين صار أمرهم إلى الايمان كما قالوا في هدى للمتقين أي الصائرين إلى التقوى وإلا فالايمان لايؤدي إلى الهداية نفسها ويجوز أن يكون عطف بيان على ذلك أو منصوبا على المدح أو خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم أي تستقر وتسكن بذكر الله أي بكلامه المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو المروى عن مقاتل وإطلاق الذكر على ذلك شائع في الذكر ومنه قوله تعالى : وهذا ذكر مبارك و إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون وسبب اطمئنان قلوبهم بذلك علمهم ان لا آية أعظم ومن ذلك لايقترحون الآيات التي يقترحها غيرهم والعدول الى صيغة المضارع لافادة دوام الاطمئنان وتجدده حسب تجدد المنزل من الذكر ألا بذكر الله وحده تطمئن القلوب .
82 .
- لله دون غيره من الأمور التي تميل اليها النفوس من الدنياويات وإذا أريد سائر المعجزات فالقصر من حيث انها ليست في افادة الطمأنينة بالنسبة إلى من لم يشاهدها بمثابة القرآن المجيد فانه معجزة باقية إلى يوم القيامة يشاهدها كل أحد وتطمئن به القلوب كافة وفيه اشعار بأن الكفرة لاقلوب لهم وأفئدتهم هواء حيث لم يطمئنوا به ولم يعدوه آية وهو أظهر الآيات وأبهرها وقيل : في الكلام مضاف مقدار أي لتطمئن قلوبهم بذكر رحمته تعالى ومغفرته بعد القلق والاضطراب من خشيته تعالى كقوله تعالى : ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله وهذا مناسب على مافي الكشف للانابة اليه تعالى والمصدر عليه مضاف إلى الفاعل وقيل : المراد بذكر الله دلائله سبحانه الدالة على وحدانيته D والاطمئنان عن قلق الشك والتردد وهذا مناسب لذكر الكفر ووقوعه في مقابلته وقيل : المراد بذكره تعالى أنسا به وتبتلا اليه سبحانه فالمراد بالهداية دوامها واستمرارها قيل : وهذا مناسب أيضا حديث الكفر لأن الكفرة إذا ذكر الله تعالى وحده أشمأزت قلوبهم والمصدر على القولين مضاف إلى المفعول والوجه الاول أشد ملاءمة للنظم لاسيما لقوله تعالى : لولا أنزل عليه آية من ربه والمصدر فيه بمعنى المفعول .
ومن الغريب ما نقل في تفسير الخازن أن هذا في الحلف بالله وذلك أن المؤمن إذا حلف له بالله تعالى سكن قلبه وروى نحو ذلك أبو الشيخ عن السدي فان الحمل عليه هنا مما لايناسب المقام وأما ما روى عن أنس من أنه صلى الله عليه وسلّم قال لأصحابه حين نزلت هذه الآية : هل تدرون مامعنى ذلك قالوا : الله ورسوله أعلم قال : من أحب الله تعالى ورسوله وأحب أصحابي ومثله ماروى عن علي كرم الله تعالى وجهه من أنه E قال حين نزلت : ذاك من أحب الله تعالى ورسوله وأحب أهل بيتي صادقا غير كاذب