وأحب المؤمنين شاهدا وغائبا فليس المراد منه تفسير المراد بذكر الله بل بيان أن الموصوفين بماذكر من أحبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم الخ وهو كذلك إذ لا يكاد يتحقق الانفكاك بين هاتيك الصفات فليتأمل ولا تنافي بين هذه الآية على سائر الاوجه وقوله تعالى : إذا ذكر الله وجلت قلوبهم لأن المراد هناك وجلت من هيبته تعالى واستعظامه جلت عظمته وذكر الامام في بيان اطمئنان القلب بذكره تعالى وجوها فقال : ان الموجودات على ثلاثة أقسام : مؤثر لايتأثر ومتأثر لايؤثر وموجود يؤثر يتأثر فالاول هو الله تعالى والثاني هو الجسم فانه ليس له خاصية إلا القبول للآثار المتنافية والصفات المختلفة والثالث الموجودات الروحانية فانها إذا توجهت الى الحضرة الالهية صارت قابلة للآثار الفائضة عليها منها وإذا توجهت إلى أعلام الأجسام اشتاقت الى التصرف فيها لأن عالم الأرواح مدبر لعالم الاجسام فاذا عرف هذا فالقلب كلما توجه الى مطالعة عالم الاجسام حصل فيه الاضطراب والقلق والميل الشديد إلى الاستيلاء عليه والتصرف فيه وإذا توجه إلى مطالعة الحضرة الالهية وحصلت فيه الأنوار الصمدية فهناك يكون ساكنا مطمئنا وأيضا أن القلب كلما وصل إلى شيء فانه يطلب الانتقال منه إلى أمر آخر أشرف منه لأنه لا سعادة في عالم الجسم إلا وفوقها مرتبة أخرى أما اذا انتهى إلى الاستسعاد بالمعارف الألهية والانوار القدسية ثبت واستقر فلم يقدر على الانتقال من ذلك ألبتة لأنه ليس هناك درجة أخرى في السعادة أعلى منه وأكمل وأيضا أن الاكسير إذا وقعت منه ذرة على الجسم النحاسي انقلب ذهبا باقيا على ممر الدهور صابرا على الذوبان الحاصل بالنار فاكسير نور الله تعالى إذا وقع في القلب أولى أن يقلبه جوهرا باقيا صافيا نورانيا لايقبل التغير والتبدل ولهذه الأوجه قال سبحانه : ألا بذكر الله تطمئن القلوب اه والأولى أن يقال : إن سبب الطمأنينة نور يفيضه الله تعالى عن قلب المؤمنين بسبب ذكره فيذهب ما فيها من القلق والوحشة ونحو ذلك وللمناقشة فيما ذكره مجال وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الاشارة مايشبه ذلك الذين ءامنوا وعملوا الصالحات بدل من القلوب أي قلوب الذين آمنوا والاظهر أنه بدل الكل لأن القلوب في الأول قلوب المؤمنين المطمئنين وكذلك لو عمم القلب على معنى أن قلوب هؤلاء الاجلاء كل القلوب لأن الكفار أفئدتهم هواء وأما الحمل على بدل البعض ليعمم القلب من غير الملاحظة المذكورة واستنباط هذا المعنى من البدل فبعيد وأما احتماله لبدل الاشتمال وان استحسنه الطيبي فكلا أو مبتدأ خبره الجملة الدعائية على التأويل أعني قوله سبحانه : طوبى لهم أي يقال لهم ذلك أولا حاجة الى التأويل والجملة خبرية أو خبر مبتدأ مضمر أو نصب على المدح فطوبى لهم حال مقدرة والعامل فيها الفعلان .
وقال بعض المدققين : لعل الاشبه وجه آخر وهو ان يتم الكلام عند قوله تعالى : من أناب ثم قيل : الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم في مقابلة ويقول الذين كفروا لولا أنزل وقوله سبحانه : ألا بذكر الله جملة اعتراضية تفيد كيف لاتطمئن قلوبهم له ولا اطمئنان للقلب بغيره وقوله D : الذين آمنوا بدل من الاول وفيه إشارة الى أن ذكر الله تعالى أفضل الاعمال الصالحة بل هو كلها و طوبى لهم خبر الاول فيتم التقابل بين القرينتين ويقول الذين كفروا و الذين آمنوا وتطمئن وبين جزئي التذييل : يضل من يشاء ويهدي اليه من أناب ومن الناس من زعم أن الموصول الاول مبتدأ والموصول الثاني