فقال : الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر مايكون ذلك عن علم ولذلك خص العلماء بها في قوله تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلماء .
وقال بعضهم : الخشية أشد الخوف لأنها مأخوذة من قولهم : شجرة خشية أي يابسة ولذا خصت بالرب في هذه الآية وفرق بينهما أيضا بأن الخشية تكون من عظم المخشي وإن كان الخاشي قويا والخوف من ضعف الخائف وإن كان المخوف أمرا يسرا يدل على ذلك أن تقليب الخاء والشين والياء تدل على الغفلة وفي تدبر والحق أن مثل هذه الفروق أغلبي لاكلي وضعي ولذا لم يفرق كثير بينهما نعم اختار الامام لان المراد من يخشون ربهم أنهم يخافونه خوف مهابة وجلالة زاعما أنه لولا ذلك يلزم التكرار وفيه مافيه .
والذين صبروا على كل ماتكرهه النفس من المصائب المالية والبدنية وما يخالفه هوى النفس كالانتقام ونحوه ويدخل فيماذكر التكاليف ابتغاء وجه ربهم طلبا لرضاه تعالى من غير أن ينظروا إلى جانب الخلق رياء أو سمعة ولا إلى جانب أنفسهم زينة وعجبا وقيل : المراد طالبين ذلك فنصب ابتغاء على الحالية وعلى الأول هو منصوب على أنه مفعول له والكلام في مثل الوجه منسوبا اليه تعالى شهير .
وفي البحر ان الظاهر منه ههنا جهة الله تعالى أي الجهة التي تقصد عنده سبحانه بالحسنات ليقع عليها المثوبة كما يقال : خرج زيد لوجه كذا وفيه أيضا أنه جاءت الصلة هنا بلفظ الماضي وفيما تقدم بلفظ المضارع على سبيل التفنن في الفصاحة لأن المبتدأ في معنى اسم الشرط والماضي كالمضارع في اسم الشرط فكذلك فيما أشبهه : ولذا قال النحويون : إذا وقع الماضي صلة أو صفة لنكرة عامة احتمل أن يراد به المضي وإن يراد به الاستقبال فمن الأول الذين قال لهم الناس ومن الثاني إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ويظهر أيضا أن اختصاص هذه الصلة بالماضي وما تقدم بالمضارع أن ماتقدم قصد به الاستصحاب : والالتباس وأما هذه فقد قصد بها تقدمها على ذلك لأن حصول تلك الصلوات إنما هي مترتبة على حصول الصبر وتقدمه عليها ولذا لم يأت صلة في القرآن إلا بصيغة الماضي إذ هو شرط في حصول التكاليف وإيقاعها وفي إرشاد العقل السليم حيث كان الصبر ملاك الأمر في كل ماذكر من الصلات السابقة واللاحقة أورد بصيغة الماضي اعتناء بشأنه ودلالة على وجوب تحققه فان ذلك مما لابد منه إما في نفس الصلوات كما فيما عدا الأولى والرابعة والخامسة أو في إظهار أحكامها كما في الصلات الثلاث المذكورات فانها وان استغنت عن الصبر في أنفسها حيث لامشقة على النفس في الاعتراف بالربوبية والخشية والخوف لكن إظهار أحكامها والجري على موجبها غير خال عن الاحتياج اليه وهو لايخلو عن شيء والأولى على ماقيل الاقتصار في التعليل على الاعتناء بشأنه وعطف قوله سبحانه : وأقاموا الصلاة وكذا مابعده على ذلك على مانص عليه غير واحد من باب عطف الخاص على العام والمراد بالصلاة قيل الصلاة المفروضة وقيل مطلقا وهو أولى ومعنى إقامتها اتمام أركانها وهيآتها وأنفقوا مما رزقناهم بعض ماأعطيناهم وهو الذي وجب عليهم إنفاقه كالزكاة وما ينفق على العيال والمماليك أو ما يشمل ذلك والذي ندب سرا حيث يحسن السر كما في انفاق من لايعرف بالمال إذا خشى التهمة في الاظهار أو من عرف به لكن لو أظهره ربما ادخله الرياء والخيلاء وكما في الاعطاء لمن تمنعه المروءة من