وقيل : الساجدون طوعا أهل الكشف والشهود والساجدون كرها أهل النظر والاستدلال أنزل من السماء من سماء روح القدس ماء أي ماء العلم فسالت أودية أي أودية القلوب بقدرها بقدر استعدادها فاحتمل السيل زبدا من خبث صفات أرض النفس رابيا طافيا على ذلك ومما يوقدون عليه في النار نار العشق من المعارف والكشوف والحقائق والمعاني التي تهيج العشق ابتغاء حلية طلب زينة النفس لكونها كمالات لها أو متاع من الفضائل الخلقية التي تحصل بسببها فانها مما تتمتع به النفس ما زبد خبث مثله كالنظر اليها ورؤيتها والاعجاب بها وسائر ما يعد من آفات النفس فأما الزبد فيذهب جفاء منفيا بالعلم وأما ماينفع الناس من المعاني الحقة والفضائل الخالصة فيمكث في الأرض أرض النفس وقال بعضهم : انه تعالى شبه ماينزل من مياه بحار ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله الى قلوب الموحدين والعارفين والمكاشفين والمريدين بما ينزل من السماء الى الاودية فكما تحمل الأودية حسب اختلافها ماء المطر تحمل تلك القلوب مياة هاتيك البحار حسب اختلاف حواصلها وأقار استعداداتها في المحبة والمعرفة والتوحيد وكما أن قطرات الامطار تكون في الاودية سيلا فيحتمل السيل زبدا وحثالة وما يكون مانعا من الجريان يكون تواتر أنوار الحق سبحانه سيل المعارف والكشوفات فيسيل في أودية القلوب فيحتمل من أوصاف البشرية وما دون الحق الذي يمنع القلوب من رؤية الغيوب ما يحتمله فيذهب جفاء فتصير حينئذ مقدسة عن زبد الرياء والسمعة والنفاق والخواطر المذمومة وتبقى سائحة في أنوار الأزل والابد بلا مانع من العرش الى الثرى وشبه سبحانه أعمال الظاهر والباطن وما ينفتح بمفاتيحها من الغيب بجواهر الارض من الذهب والفضة وغيرهما اذا أذيبا للانتفاع بهما وبين تعالى أن لهما زبدا مثل زبد السيل وانه يذهب ويمكث أصلهما الصافي فكذلك أعمال الظاهر والباطن تدخل في بودقة الاخلاص ويوقد عليهما نيران الامتحان فيذهب مافيه حظ النفس ويبقى ماهو خالص لله تعالى وهكذا الخواطر يبقى منها خاطر الحق ويضمحل سريعا خاطر الباطل وعن بعضهم القلوب أوعية وفيها أودية فقلب يسيل فيه ماء التوبة وقلب يسيل فيه ماء الرحمة وقلب يسيل فيه ماء الخوف وقلب يسيل فيه ماء الرجاء وقلب يسيل فيه ماء المعرفة وقلب يسيل فيه ماء الانس وكل ماء من هذه المياه ينبت في القلب نوعا من القربة والقرب من الله D ومن القلوب ما حرم ذلك والعياذ بالله تعالى وقال ابن عطية : روى عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى : أنزل من السماء ماء الخ يريد الماء الشرع والدين وبالأودية القلوب ومعنى سيلانها بقدرها أخذ النبيل بحظه والبليد بحظه ثم قال : وهذا قولا لايصح والله تعالى أعلم عن ابن عباس لأنه ينحو الى قول أصحاب الرموز قد تمسك به الغزالي وأهل ذلك الطريق وفيه اخراج اللفظ عن مفهوم كلام العرب بغير داع الى ذلك وان صح ذلك عن ابن عباس فيقال فيه : انما قصد رضي الله تعالى عنه أن قوله تعالى : كذلك يضرب الله الحق والباطل معناه الحق الذي يتقرر في القلوب والباطل الذي يعتريها اه ونحن نقول : ان صح ذلك فمقصود الحبر منه الاشارة وأن كان يريد غير ظاهر فيه وحجة الاسلام الغزالي عليه الرحمة أشد الناس على أهل الرموز القائلين بأن الظاهر ليس مراد الله تعالى كما لايخفى على متتبعي كلامه وسمعت من بعض الناس أن أهل الكيمياء تكلموا في هذه الآية على مايوافق غرضهم ولم أقف على ذلك للذين استجابوا لربهم بتصفية الاستعداد عن كدورات صفات النفس الحسنى المثوبة الحسنى وهو الكمال الفائض عليهم عند الصفاء والذين لم يستجيبوا له تعالى وبقوا