الانهار المستمرة الجريان لوضوح المماثلة بين شأنها وما مثل بها كما سنشير اليه إن شاء الله تعالى بقدرها أي بمقدارها الذي عينه الله تعالى واقتضته حكمته سبحانه في نفع الناس أو بمقدارها المتفاوت قلة وكثرة بحسب تفاوت محالها صغرا وكبرا لابكونها مالئة لها منطبقة عليها بل بمجرد قلتها بصغرها المستلزم لقلة موارد الماء وكثرتها بكبرها المستدعي لكثرة الموارد فان موارد السيل الجاري في الوادي الصغير أقل من موارد السيل الجاري في الوادي الكبير هذا اذا أريد بالاودية مايسيل فيها أما أن أريد بها المعنى الحقيقي فالمعنى سالت مياهها بقدر تلك الأودية على نحو ماعرفته آنفا أو يراد بضميرها مياهها بطريق الاستخدام ويراد بقدرها ماذكر أولا من المعنين قاله شيخ الاسلام والجار والمجرور على مانقل عن الحوفي متعلق بسالت وقال أبو البقاء : إنه في موضع الصفة لأودية وجوز أن يكون متعلقا بأنزل وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما والاشهب العقيلي وأبو عمرو في رواية بقدرها بسكون الدال وهي لغة في ذلك .
فاحتمل أي حمل وجاء افتعل بمعنى المجرد كاقتدر وقدر السيل أي الماء الجاري في تلك الاودية والتعريف لكونه معهودا مذكورا بقوله تعالى : أودية ولم يجمع لأنه كما قال الراغب مصدر بحسب الاصل وفي البحر أنه إنما عرف لأنه عنى به ما فهم من الفعل والذي يتضمن الفعل من المصدر وإن كان نكرة الا انه اذا عاد في الظاهر كان معرفة كما كان لو صرح به نكرة وكذا يضمر اذا عاد على مادل عليه الفعل من المصدر نحو من كذب كان شرا له أي الكذب ولو جاء هنا مضمرا لكان جائزا عائدا على المصدر المفهوم من سالت اه .
وأورد عليه أنه كيف يجوز أن يعني به مافهم من الفعل وهو حدث والمذكور المعرف عين كما علمت وأجيب بأنه بطريق الاستخدام ورد بأن الاستخدام أن يذكر لفظ بمعنى ويعاد عليه ضمير بمعنى آخر حقيقيا كان أو مجازيا وهذا ليس كذلك لأن الاول مصدر أي حدث في ضمن الفعل وهذا اسم عين ظاهر يتصف بذلك فكيف يتصور فيه الاستخدام نعم ماذكروه أغلبي لايختص بما ذكر فان مثل الضمير اسم الاشارة وكذا الاسم الظاهر 1 اه .
وانظر هل يجوز أن يراد من السيل المعنى المصدري فلا يحتاج إلى حديث الاستخدام أم لا وعلى الجواز يكون المعنى فاحتمل الماء المنزل من السماء بسبب السيل زبدا هو الغثاء الذي يطرحه الوادي إذا جاش ماؤه واضطربت أمواجه على ماقاله أبو الحجاج الاعلم وهو معنى قول ابن عيسى : إنه وضر الغليان وخبثه قال الشاعر : وما الفرات إذا جاشت غواربه ترمى أواذيه العبرين 2 بالزبد رابيا أي عاليا منتفخا فوق الماء ووصف الزبد بذلك قيل : بيانا لما أريد بالاحتمال المحتمل لكون المحمول غير طاف كالاشجار الثقيلة وانما لم يدفع ذلك بأن يقال فاحتمل السيل زبدا فوقه للايذان بأن تلك الفوقية مقتضى شأن الزبد لا من جهة المحتمل تحقيقا للمماثلة بينه وبين مامثل به من الباطن الذي شأنه الظهور في مبادي الرأي من غير مداخلة في الحق ومما يوقدون ابتداء جملة كما روى عن مجاهد معطوفة على الجملة الأولى لضرب