ذلك من الاختلافات وذلك مع أن طبيعة الأرض واحدة وطبيعة الشمس المسخنة للبخارات واحدة يأبى أن يكون ذلك كما قرروا وأيضا التجربة دالة على أن للتضرع والدعاء في انعقاد السحاب ونزول الغيث أثرا عظيما وهو يأبى أن يكون ذلك للطبيعة والخاصية فليس كل ذلك الا باحداث محدث حكيم قادر يخلق مايشاء كيف يشاء وقال بعض المحققين : لايبعد أن يكون في تكون ماذكر أسباب عادية كما في الكثير من أفعاله تعالى وذلك لاينافي نسبته إلى المحدث الحكيم القادر جل شأنه ومن أنصف لم يسعفه إنكار الاسباب بالكلية فان بعضها كالمعلوم بالضرورة وبهذا أنا أقول وقد تقدم بعض الكلام في هذا المقام .
وكان صلى الله عليه وسلّم كما أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة إذا هبت الريح أو سمع صوت الرعد تغير لونه حتى يعرف ذلك في وجهه الشريف ثم يقول للرعد : سبحان من سبحت له وللريح اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا .
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي والنسائي وغيرهم عن ابن عمر كان رسول الله A إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال : اللهم لاتقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك .
وأخرج أبو داود في مراسيله عن عبيد الله بن أبي جعفر أن قوما سمعوا الرعد فكبروا فقال رسول الله A : اذا سمعتم الرعد فسبحوا ولا تكبروا وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه E كان يقول إذا سمع الرعد : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وأخرج ابن مردويه وابن جرير عن أبي هريرة قال : كان A إذا سمع الرعد قال سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته أي ويسبح الملائكة عليهم السلام من هيبته تعالى وإجلاله جل جلاله وقيل : الضمير يعود على الرعد والمراد بالملائكة أعوانه جعلهم الله تعالى تحت يده خائفين خاضعين له وهو قول ضعيف ويرسل الصواعق جمع صاعقة وهي كالصاعقة في الأصل الهدة الكبيرة إلا أن الصقع يقال في الاجسام الارضية والصعق في الاجسام العلوية والمراد بها هنا النار النازلة من السحاب مع صوت شديد فيصيب سبحانه بها من يشاء اصابته بها فيهلكه قيل : وهذه النار قيل تحصل من احتكاك أجزاء السحاب واستدل بما أخرجه ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال : الرعد ملك اسمه الرعد وصوته هذا تسبيحه فاذا اشتد زجره احتك السحاب واصطدم من خوفه فتخرجه الصواعق من بينه وقال الفلاسفة : إن الدخان المحتبس في جوف السحاب اذا نزل ومزق السحاب قد يشتعل بقوة التسخين الحاصل من الحركة الشديدة والمصاكة العنيفة وإذا اشتعل فلطيفه ينطفيء سريعا وهو البرق وكثيفه لاينطفيء حتى يصل الى الأرض وهو الصاعقة وإذا وصل اليها فربما صار لطيفا ينفذ في المتخلخل ولا يحرقه بل يبقى منه أثر سواد ويذيب ما يصادمه من الأجسام الكثيفة المندمجة فيذيب الذهب والفضة في الصرة مثلا ولا يحرقها الا ما أحرق من المذوب وقد أخبر أهل التواتر بأن صاعقة وقعت منذ زمان بشيراز على قبة الشيخ الكبير أبي عبدالله بن خفيف قدس سره فأذابت قنديلا فيها ولم تحرق شيئا منها وربما كان كثيفا غليظا جدا فيحرق كل شيء أصابه وكثيرا ما يقع على الجبل فيدكه دكا وقد يقع على البحر فيغوص فيه ويحرق ما فيه من الحيوانات وربما كان جرم الصاعقة دقيقا جدا مثل السيف فاذا وصل الى شيء قطعه بنصفين ولايكون مقدار الانفراج الا قليلا ويحكى أن صبيا كان نائما بصحراء فأصابت الصاعقة ساقيه فسقطت رجلاه ولم يخرج دم لحصول