بدا فالحفظ من أي شيء وأجيب بأن من القضاء والقدر ماهو معلق فيكون الحفظ منه ولهذا حسن تعاطي لاسباب والا فمثل ذلك وارد فيها بأن يقال : إن الأمر الذي نريد أن تتعاطاه أما أن يكون مقدرا وجوده فلا بد أن يكون أو مقدرا عدمه فلابد أن لايكون فما الفائدة في تعاطيه والتشبث بأسبابه وتعقب هذا أن ماذكر انما حسن منا لجهلنا بان ما نطلبه من المعلق أو من غيره والمسألة المستشكلة ليست كذلك وأنت تعلم أن الله تعالى جعل في المحسوسات أسبابا محسوسة وربط بها مسبباتها حسبما تقضيه حكمته الباهرة ولو شاء لأوجد المسببات من غير اسباب لغناه جل شأنه الذاتي ولا مانع من أن يجعل في الامور الغير محسوسة اسبابا يربط بها المسببات كذلك وحينئذ يقال : إنه جلت عظمته جعل أولئك الحفظة أسبابا للحفظ كما جعل في الحسوس نحو الجفن للعين سببا لحفظها مع انه ليس سببا الا للحفظ مما لم يبرم من قضائه وقدره جل جلاله والوقوف على الحكم بأعيانها مما لم نكلف به والعلم بأن أفعاله تعالى لاتخلو عن الحكم والمصالح على الاجمال مما يكفي المؤمن ويقال نحو هذا في أمر الكرام الكاتبين فهم موجودون بالنص وقد جعلهم الله تعالى حفظة لأعمال العبد كاتبين لها ونحن نؤمن بذلك وإن لم نعلم ماقلمهم وما مدادهم وما قرطاسهم وكيف كتابتهم وأين محلهم وما حكمة ذلك مع أن علمه تعالى كاف في الثواب والعقاب عليها وكذا تذكر الانسان لها وعلمه بها يوم القيامة كاف في دفع ما عسى أن يختلج في صدره عند معاينة مايترتب عليها ومن الناس من خاض في بيان الحكمة وهو أسهل من بيان ما معها .
وذكر الامام الرازي في جواب السؤال عن فائدة جعل الملائكة عليهم السلام موكلين علينا كلاما طويلا فقال : إعلم أن ذلك غير مستبعد لأن المنجمين اتفقوا على أن التدبير في كل يوم لكوكب على حدة وكذا القول في كل ليلة ولا شك أن لتلك الكواكب أرواحا عندهم فتلك التدبيرات المختلفة لتلك الارواح في الحقيقة وكذا القول في تدبير الهيلاج والكدخداه على مايقولون وأما أصحاب الطلسمات فهذا الكلام مشهور على ألسنتهم فانهم يقولون : أخبر الطباع التام بكذا ومرادهم به أن لكل انسان روحا فلكية تتولى صلاح مهماته ودفع بلياته وآفاته وإذا كان هذا متفقا عليه بين قدماء الفلاسفة وأصحاب الاحكام فكيف يستبعد مجيئه في الشرع .
وتمام التحقيق فيه ان الارواح البشرية مختلفة في جواهرها وطبائعها فبعضها خيرة وبعضها شريرة وبعضها حرة وبعضها نذلة وبعضها قوية القهر وبعضها ضعيفة وكما أن الامر في الأرواح البشرية كذلك فكذلك القول في الارواح الفلكية ولا شك أن الارواح الفلكية في كل باب وصفة أقوى من الارواح البشرية وكل طائفة من الارواح البشرية تكون متشاركة في طبيعة خاصة وصفة مخصوصة وتكون في مرتبة روح من الارواح الفلكية مشاكلة لها في الطبيعة والخاصية فتكون تلك الارواح البشرية كأنها أولاد لذلك الروح الفلكي واذا كان الامر كذلك فان ذلك الروح الفلكي يكون معينا على مهماتها ومرشدا لها إلى مصالحها وعاصما اياها عن صنوف الآفات وهذا كلام ذكره محققو الفلاسفة وبذلك يعلم أن ما وردت به الشريعة أمر مقبول عند الكل فلا يمكن استنكاره اه .
ولعل مقصوده بذلك تنظير أمر الحفظة مع العبد بأمر الارواح الفلكية معه على زعم الفلاسفة في الجملة والا فما يقوله المسلمون في أمرهم وما يقوله الفلاسفة في أمر تلك الارواح امر آخر وهيهات هيهات أن نقول بما قالوا فانه بعيد عما جاء عن الشارع E بمراحل ثم ذكر عليه الرحمة من فوائد الحفظة للأعمال