أن العبد اذا علم أن الملائكة عليهم السلام يحضرونه ويحصون عليه أعماله وهم هم كان أقرب إلى الحذر عن ارتكاب المعاصي كمن يكون بين يدي أناس اجلاء من خدام الملك موكلين عليه فانه لايكاد يحاول معصية بينهم وقد ذكر ذلك غيره ولا يخلو عن حسن ثم نقل عن المتكلمين في فائدة الصحف المكتوبة أنها وزنها يوم القيامة فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية ويظهر كل من الامرين للخلائق .
وتعقبه القاضي بأن ذلك بعيد لأن الادلة قد دلت على أن كل واحد قبل مماته عند المعاينة يعلم أنه من السعداء أو من الاشقياء والعياذ بالله تعالى فلا يجوز توقف حصول المعرفة على الميزان ثم أجاب بأنه لايمتنع أيضا ماذكرناه لأمر يرجع إلى حصول سرور العبد عند الخلق العظيم بظهور أنه من أولياء الله تعالى لهم وحصول ضد ذلك لمن كان من أعداء الله تعالى ولا يخفى أن هذا بني على أن الذي يوزن هو الصحف وهو أحد أقوال في المسئلة نعم ذهب اليه جمع من الأجلة لحديث البطاقة والسجلات المشهور وكذا على أن الكتابة على معناها الظاهر وهو الذي ذهب اليه أهل الحديث بل وغيرهم فيما أعلم ونقل 1 عن حكماء الاسلام معنى آخر فقال : إن الكتابة عبارة عن نقوش مخصوصة وضعت بالاصطلاح لتعريف بعض المعاني المخصوصة فلو قدرنا كون تلك النقوش دالة على تلك المعاني بأعيانها وذواتها كانت تلك الكتابة أقوى وأكمل وحينئذ نقول : إن الانسان إذا أتى بعمل من الاعمال مرات كثيرة متوالية حصل في نفسه بسبب ذلك ملكة قوية راسخة فان كانت تلك الملكة ملكة في اعمال نافعة في السعادات الروحانية عظم ابتهاجه بعد الموت وإن كانت تلك الملكة ملكة ضارة في الاحوال الروحانية عظم تضرره بها بعد ثم قال : إذا ثبت هذا فنقول : إن التكرير الكثير إن كان سببا لحصول تلك الملكة الراسخة كان لكل واحد من تلك الاعمال أثر في حصول تلك الملكة وذلك الاثر وإن كان غير محسوس إلا أنه حاصل في الحقيقة وإذا عرف هذا ظهر أنه لايحصل للأنسان لمحة ولا حركة ولا سكون الا ويحصل منه في جوهر نفسه أثر من آثار السعادة أو آثار الشقاوة قل أو كثر وهذا هو المراد من كتب الاعمال عند حكماء الاسلام والله تعالى العالم بحقائق الامور انتهى وقد رأيت ذلك لبعض الصوفية .
وأنت تعلم أنه خلاف مانطقت به الآيات والاخبار ونحن في أمثال هذه الامور لانعدل عن الظاهر ماأمكن والحق أبلج وما بعد الحق إلا الضلال هذا ومن الناس من جعل ضمير له لمن الاخير والاول أولى ومنهم من جعله لله تعالى وما بعده لمن وفيه تفكيك للضمائر من غير داع ومنهم من جعله للنبي صلى الله عليه وسلّم وهو E معلوم من السياق وقد تقدم الاخبار عنه صلى الله تعالى عليه وسلم في قوله تعالى : ويقولون لولا أنزل عليه آية الآية واستدل على ذلك بما أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء بن يسار عن ابن عباس أن أربد .
ابن قيس وعامر بن الطفيل قدما المدينة على رسول الله A فانتهيا اليه وهو E جالس فجلسا بين يديه فقال عامر : ما تجعل لي إن أسلمت قال النبي A لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم قال : أتجعل لي إن أسلمت الأمر بعدك فقال E : ليس ذلك لك ولا لقومك ولكن لك أعنة الخيل قال : فاجعل لي الوبر ولك المدر فقال A : لا فلما قفى من عنده قال : لأملأنها عليك خيلا ورجلا فقال النبي A : يمنعك الله تعالى وفي رواية وابناء قيلة يريد الأوس والخزرج فلما خرجا قال عامر : ياأربد