وتعقبه في البحر بأنه ليس مدلول اللفظ لأنه جعل فيه متعلق عجبه صلى الله عليه وسلّم هو قولهم في انكار البعث وجواب الشرط هو ذلك القول فيتحد الشرط والجزاء إذ تقديره إن تعجب من انكارهم البعث فاعجب من قولهم في انكار البعث وهو غير صحيح ورد بأن ذلك مما اتحد فيه الشرط والجزاء صورة وتغايرا حقيقة كما في قوله A : من كانت هجرته الى الله تعالى ورسوله فهجرته الى الله تعالى ورسوله وقرأ قولهم : من أدرك الصمان فقد أدرك المرعى وهو أبلغ في الكلام لأن معناه أنه أمر لايكتنه كنهه ولا تدرك حقيقته وأنه أمر عظيم .
وذهب بعض الى أن الخطاب في إن تعجب عام والمعنى إن تعجب يا من نظر مافي هذه الآيات وعلم قدرة من هذه أفعاله فازدد تعجبا ممن ينكر مع هذا قدرته على البعث وهو أهون شيء عليه وقيل : المعنى إن تجدد منك التعجب لانكارهم البعث فاستمر عليه فان انكارهم ذلك من الاعاجيب وقيل : المراد إن كنت تريد أيها المريد عجبا فهلم فان من أعجب العجب انكارهم البعث واختلف القراء في الاستفهامين إذا اجتمعا في أحد عشر موضعا هذا وفي المؤمنين والعنكبوت والنمل والسجدة والواقعة والنازعات وبني اسرائيل في موضعين وكذا في الصافات فقرأ نافع والكسائي بجعل الاول استفهاما والثاني خبرا إلا في العنكبوت والنمل فعكس نافع وجمع الكسائي بين الاستفهامين في العنكبوت وأما في النمل فعلى أصله الا أنه زاد نونا .
وقرأ ابن عامر بجعل الأول خبرا والثاني استفهاما الا في النمل والنازعات فعكس وزاد في النمل نونا كالكسائي وإلا في الواقعة فقرأ باستفهامين وهي قراءة باقي السبعة في هذا الباب إلا ابن كثير وحفصا فانهما قرأ في العنكبوت بالخبر في الاول والاستفهام في الثاني وهم على أصولهم في اجتماع الهمزتين من تخفيف وتحقيق وفصل بين الهمزتين أولئك مبتدأ والموصول خبره أي أولئك المنكرون للبعث ريثما عاينوا من آيات ربهم الكبرى مايرشدهم الى الايمان لو كانوا يبصرون الذين كفروا بربهم وتمادوا في ذلك فان انكار قدرته D انكار له سبحانه لأن الاله لايكون عاجزا مع ما في ذلك من تكذيبه جل شأنه وتكذيب رسله المتفقون عليه عليهم السلام وأولئك مبتدأ خبره جملة قوله تعالى : الأغلال في أعناقهم وفيه احتمالان : الأول أن يكون المراد وصفهم بذلك في الدنيا فهو تشبيه وتمثيل لحالهم في امتناعهم عن الايمان وعدم الالتفات الى الحق بحال طائفة في أعناقهم أغلال وقيود لايمكنهم الالتفات معها كقوله : كيف الرشاد وقد خلفت في نفر لهم عن الرشد أغلال وأقياد كأنه قيل : أولئك مقيدون بقيود الضلالة لا يرجى خلاصهم الثاني أن يكون وصفهم به في الآخرة والكلام أما باق على حقيقته قال سبحانه : إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل وروى ذلك عن الحسن قال : إن الاغلال لم تجعل في أعناق أهل النار لأنهم أعجزوا الرب سبحانه ولكنما جعلت في أعناقهم لكي إذا طغا بهم اللهب أرستهم في النار وأما مخرج مخرج التشبيه لحالهم بحال من يقدم للسياسة وقيل : المراد من الاغلال اعمالهم الفاسدة التي تقلدوها كالاغلال وهو جار على احتمال أن يكون ذلك في الدنيا أو في الآخرة والاول ناظر الى ما قيل والثاني الى قوله تعالى : أولئك أي الموصوفون بما ذكر