بمياه الجنة والاخبار بامتيازها على ماعداها ومثله كثير في الكلام والثاني ماذكره القاضي عياض ان الايمان عم بلادها وأن الاجسام المتغذية منها صائرة إلى الجنة وهذا ليس بشيء ولورد إلى اعتبار التشبيه أي أنها مثل أنهار الجنة في أن المتغذين من مائها المؤمنون لكان أوجه وقال النووي : الاصح أن الكلام على ظاهره وأن لها مادة من الجنة وهي موجودة اليوم عند أهل السنة .
ويأبى التأويل الأول مافي صحيح مسلم أيضا من حديث الاسراء وحدث نبي الله صلى الله عليه وسلّم أنه رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان فقلت : ياجبريل ماهذه الأنهار فقال : أما النهران الباطنان فنهران في الجنة 1 وأما الظاهران فالفرات والنيل وضمير أصلها السدرة المنتهى كما جاء مبينا في صحيح البخاري وغيره .
والقاضي عياض قال هنا : إن هذا الحديث يدل على ان أصل سدرة المنتهى في الأرض لخروج النيل والفرات من أصلها وتعقبه النووي بأن ذلك ليس بلازم بل معناه أن الانهار تخرج من أصلها ثم تسير حيث أراد الله تعالى حتى خرج من الارض وتسير فيها وهذا لايمنعه عقل ولا شرع وهو ظاهر الحديث فوجب المصير اليه قيل : ولعل الله تعالى يوصل مياه هاتيك الانهار بقدرته الباهرة إلى محالها التي يشاهد خروجها منها من حيث لايراها أحد وماذلك على الله بعزيز والظاهر أن المراد أصل مياهها الخارجة من محالها لاهي وما ينظم اليها من السيول وغيرها وكأني أرى بعض الناس ليسنى يلتزم ذلك في جميع مايجري في هاتيك الانهار وبعضهم أيضا يجعل الاخبار في هذا الشأن اشارات إلى أمور أنفسية فقط وليس مما ترتضيه الانفس المرضية نعم أنا لا أمنع التأويل مع بقاء الامر أفاقيا وليس عدم اعتقاد الظاهر مما يخل بالدين كما لايخفى على من لاتعصب عنده .
وللأخباريين في هذه الانهار كلام طويل تمجه أسماع ذوي الالباب ولا يجري في أنهار قلوبهم ولا أراه يصلح الا للالقاء في البحر .
وجاء في بعض الأخبار مرفوعا نهران مؤمنان ونهران كافران أما المؤمنان فالنيل والفرات وأما الكافران فدجلة وجيحون وحمل ذلك على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم شبه النهرين الأولين لنفعهما بسهولة بالمؤمن والنهرين الأخيرين بالكافر لعدم نفعهما كذلك أنهما إنما يخرج في الأكثر ماؤهما بآلة ومشقة وإلا فوصف ذلك بالايمان والكفر على الحقيقة غير ظاهر ثم ان أفضل الأنهار كما قال غير واحد النيل وباقيها على السواء وزاد بعضهم في عداد ماهو من الجنة دجلة وروى في ذلك خبرا عن مقاتل عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وليس مما يعول عليه والله تعالى أعلم ومن كل الثمرات متعلق يجعل في قوله تعالى : جعل فيها زوجين اثنين أي اثنينية حقيقية وهما الفردان اللذان كل منهما زوج الآخر وأكد به الزوجين لئلا يفهم ان المراد بذلك الشفعان اذ يطلق الزوج على المجموع لكن اثنينية ذلك اعتبارية أي جعل من كل نوع من أنواع الثمرات الموجودة في الدنيا ضربين وصنفين إما في اللون كالابيض والاسود أو في الطعم كالحلو والحامض أو في القدر كالصغير والكبير أو في الكيفية كالحار والبارد وماأشبه ذلك .
وقيل : المعنى خلق في الأرض من جميع أنواع الثمرات زوجين زوجينحين مدها ثم تكاثرت بعد ذلك وتنوعت وتعقب أنه دعوى بلا دليل مع أن الظاهر خلافه فان النوع الناطق المحتاج إلى زوجين خلق ذكره