وذلك لاحتباس الأبخرة الطالبة لجهة العلو فيها وهويقتضي أن الأرض قبلها كانت مغمورة وهو خلاف مايقتضيه ظاهر قوله E لما خلق الله تعالى الأرض فجعلت تميد فوضع عليها الجبال فاستقرت على أنه يتراءى المنافاة بين جعلها أوتادا المصرح به في الآيات وكونها جاذبة للأرض إلى جهة العلو ولايرد على ماذكر في توجيه كونها سببا لاستقرار الأرض أن كونها فيها كشرع في سفينة ينافيه إذ يقتضي ذلك أن تتحرك الأرض إلى خلاف جهة مهب الهواء لأنا من وراء منع حدوث الهواء على وجه يحركها بسببه كذلك .
وهذا كله إذا حكمنا العقل في البين وتقيدنا بالعاديات وأما إذا أسندنا كل ذلك إلى قدرة الفاعل المختار جل شأنه وقلنا : إنه سبحانه خلق الأرض مائدة وجعل عليها الجبال وحفظها عن الميد لحكم علمها تحار فيها الأفكار ولايحيط بها إلا من أوتى علما لدنيا من ذوي الأبصار ارتفعت عنا جميع المؤن وزالت سائر المحن ولا يلزمنا على هذا أيضا القول بأن الأرض وسط العالم كما هو رأي أكثر الفلاسفة المتقدمين والمتأخرين .
ولم يخالف من الاولين الا شرذمة زعموا أن أكره النار في الوسط لأنها أشرف من الأرض لكونها مضيئة لطيفة حسنة اللون وكون الأرض كثيفة مظلمة قبيحة اللون وحيز الاشرف يجب أن يكون أشرف الاحياز وهو الوسط فاذن هي في الوسط وهذا من الاقناعات الضعيفة ومع ذلك يرد عليه أنا لانسلم شر أفة النار على الأرض مطلقا فانها ان ترجحت عليها باللطافة وما معها فالارض راجحة بأمور أحدها أن النار مفرطة الكيفية مفسدة والارض ليست كذلك وثانيها أنها لاتبقى في المكان الغريب مثل ماتبقى الارض وثالثهما أن الارض حيز الحياة والنشوء والنار ليست كذلك وماذكر من استحسان الحس البصري للنار يعارضه استحسان الحس اللمسي للأرض بالنسبة اليها على أنا لو سلمنا الاشرفية فهي لاتقتضي إلا الوسط الشرفي لا المقداري اذ لاشرف له وذلك ليس هو الا حيزها الذي يزعمه جمهور المتقدمين لها لأنه متوسط بين الأجرام العنصرية والاجرام الفلكية ولم يخالف من الآخرين الا شرذمة قليلة هم هرشل وأصحابه زعموا أن الشمس ساكنة في وسط العالم وكل ماعداها يتحرك عليها لأنها جرم عظيم جدا وكل الاجرام دونها لاسيما الارض فانها بالنسبة اليها كلا شيء والحكمة سكون الاكبر وتحرك الاصغر وهذا ايضا من الاقناعات الضعيفة ومع ذلك يرد عليه أن سكون الاصغر لاسيما بين أمواج ورياح وحركة الأكبر لاسيما مثل الحركة التي يثبتها الجمهور للشمس أبلغ في القدرة وتعليلهم ذلك أيضا بأنا لانرى للشمس ميلا عما يقال له منطقة البروج فيقتضي أن تكون ساكنة بخلاف غيرها لايخفى مافيه والذي يميل اليه كثير من الناس أن تحت الارض ماء وانها فيه كبطيخة خضراء في حوض وجاء في بعض الأخبار أن الأرض على متن ثور والثور على ظهر حوت والحوت في الماء ولا يعلم ما تحت الماء الا الذي خلقه وذكر غير واحد أن زيادة كبد ذلك الحوت هو الذي يكون أول طعام أهل الجنة فحملوا الحوت فيما صح من قوله صلى الله عليه وسلّم : أول شيء يأكله أهل الجنة زائدة كبد الحوت على ذلك الحوت وبينوا حكمة ذلك الأكل أنه اشارة الى خراب الدنيا وبشارة بفساد اساسها وامن العود اليها حيث أن الارض التي كانوا يسكنونها كانت مستقرة عليه وخص الاكل بالزائدة لما بينه الاطباء من أن العلة اذا وقعت في الكبد دون الزائدة رجى برؤه فان وقعت في الزائدة هلك العليل فأكلهم من ذلك أدخل في البشرى ومنع بعضهم صحة الاخبار الدالة على أنها ليست على الماء بلا واسطة لاسيما الخبر الطويل الذي