حاتم عن عبدالله بن عمر من ان الدنيا مسيرة خمسمائة عام أربعمائة عام خراب ومائة عمران والمقرر عند أهل الهندسة والهيئة غير هذا فقد ذكر القدماء منهم أن محيط دائرة الأرض الموازية لدائرة نصف النهار ثمانية الآف فرسخ حاصلة من ضرب فراسخ درجة واحدة وهي عندهم اثنان وعشرون فرسخا وتسعا فرسخ في ثلثمائة وستين محيط الدائرة العظمى على الأرض والمتأخرون أن ذلك ستة آلاف وثمانمائة فرسخ حاصلة من ضرب فراسخ درجة وهي عندهم تسعة عشر فرسخا الا تسع فرسخ في المحيط المذكور وعلى القولين التفاوت بين ما يقوله المهندسون ومن معهم وما نسب لغيرهم ممن تقدم أمر عظيم والحق في ذلك مع المهندسين .
وزعموا أن الموضع الطبيعي هو الوسط من الفلك وأنها بطبعها تقتضي أن تكون مغمورة بالماء ساكنة في حاق الوسط منه لكن لما حصل في جانب منها تلال وجبال ومواضع عالية وفي جانب آخر ضد ذلك لاسباب ستسمعها بعد ان شاء الله تعالى وكان من طبع الماء أن يسيل من المواضع العالية الى المواضع العميقة لاجرم انكشف الجانب المشرف من الأرض وسال الماء الى الجوانب العميقة منها وللكواكب في زعمهم تأثير في ذلك بحسب المسامتات التي تتبدل عند حركاتها خصوصا الثوابت والاوجات والحضيضات المتغيرة في أمكنتها وحكم أصحاب الارصاد أن طول البر المنكشف نصف دور الارض وعرضه أحد أرباعها الى ناحية الشمال وفي تعيين أي الربعين الشماليين منكشفت تعذر أو تعسر كما قال صاحب التحفة وأما ما عدا ذلك فقال الإمام : لم يقم دليل على كونه مغمورا في الماء ولكن الاشبه ذلك اذا الماء أكثر من الأرض أضعافا لأن كل عنصر يجب أن يكون بحيث لو استحال بكليته الى عنصر آخر مثله والماء يصغر حجمه عند الاستحالة أرضا ومع ذلك لو كان في بعض المواضع من الارباع الثلاثة عمارة قليلة لايعتد بها وأما تحت القطبين فلا يمكن أن يكون عمارة لاشتداد البرد : وانما حكموا بأن المعمور الربع لأنهم لم يجدوا في ارصاد الحوادث الفلكية كالخسوفات وقرانات الكواكب التي لا اختلاف منظر لها تقدما في ساعات الواغلين في المشرق لتلك الحوادث على ساعات الواغلين في المغرب زائدا على اثنتي عشرة ساعة مستوية وهي نصف الدور لأن كل ساعة خمسة عشر جزأ من أجزاء معدل النهار تقريبا وضرب خمسة عشر في اثني عشر مائة وثمانون ونحن نقول بوجود الخراب وانه أكثر من المعمور بكثير واكثر المعمور شمالي ولا يوجد في الجنوب منه الا مقدار يسير لكنا نقول : ما زعموه سببا للانكشاف غير مسلم ونسند كون الارض بحيث وجدت صالحة لسكنى الحيوانات وخروج النبات الى قدرته تعالى واختياره سبحانه والا فمن أنصف علم أن لاسبيل للعقل الى معرفة سبب ذلك على التحقيق وقال : انه تعالى فعل ذلك في الأرض لمجرد مشيئته الموافقة للحكمة .
وجعل فيها رواسي أي جبالاثوابت في أحيازها من الرسو وهو ثبات الأجسام الثقيلة ولم يذكر الموصوف لاغناء غلبة الوصف بها عن ذلك وفواعل يكون جمع فاعل اذا كان صفة مؤنث كحائض أوصفة ما لايعقل مذكر كجعل بازل وبوازل أو اسما جامدا أو ماجرى مجراه كحائط وحوائط وانحصار مجيئه جمعا لذلك في فوارس وهوالك ونواكس إنما هو في صفات العقلاء لا مطلقا والجمع هنا في صفة مالايعقل قيل : فلا حاجة إلى جعل المفرد هنا راسية صفة لجمع القلة أعني أجبلا ويعتبر في جمع الكثرة أعني جبالا انتظامه لطائفة من جموع القلة وينزل كل منها منزلة مفردة كما قيل على أنه لامجال لذلك لأن جمعية كل من صيغتي الجمعين إنما هي