الأمرين وأورد عليهم الاختلاف المشاهد في سطحها فأجابوا عنه بأن ذلك لايقدح في أصل الكرية الحسية المعلومة بما ذكر فان نسبة ارتفاع أعظم الجبال على ما استقر عليه استقراؤهم وانتهت اليه آراؤهم وهو جبل دماوند فيما بين الري وطبرستان أو جبل في سرنديب الى قطر الأرض كنسبة سبع عرض شعيرة الى ذراع .
واعترض ذلك بأنه هب أن ماذكرتم كذلك فما قولكم فيما هو مغمور في الماء فان قالوا : اذا كان الظاهر كريا فالباقي كذلك لأنها طبيعة واحدة قلنا : فالمرجع حينئذ الى البساطة واقتضاؤها الكرية الحقيقية ولاشك أنه يمنعها التضاريس وان لم تظهر للحس لكونها في غاية الصغر لكن أنت تعلم أن ارباب التعليم يكتفون بالكرية الحسية في السطح الظاهر فلا يتجه عليهم السؤال عن المغمور ولا يليق بهم الجواب بالرجوع الى البساطة والحق الذي لاينكره الا جاهل أو متجاهل ان ماظهر منها كرى حسا ولذلك كرية الفلك تختلف اوقات الصلاة في البلاد فقد يكون الزوال ببلد ولا يكون ببلد آخر وهكذا الطلوع والغروب وغير ذلك وكرية ما عدا ماذكر لايعلمها الا الله تعالى نعم انها لعظم جرمها الظاهر يشاهد كل قطعة وقطر منها كأنه مسطح وهكذا كل دائرة عظيمة وبذلك يعلم أنه لاتنافي بين المد وكونها كروية وزعم ابن عطية أن ظاهر الشريعة يقتضي أنها مسطحة وكأنه يقول بذلك وهو خلاف مايقتضيه الدليل وهي عندهم ثلاث طبقات الطبقة الصرفة المحيطة بالمركز ثم الطبقة الطينية ثم الطبقة المخالطة التي تتكون فيها المعادن وكثير من النباتات والحيوانات والصرفة منها غير ملونة عند بعضهم ومال ابن سينا الى أنها ملونة واحتج عليه بأن الأرض الموجودة عندنا وان كانت مخلوطة بغيرها ولكنا قد نجد فيها ما يكون الغالب عليه الارضية فلو كانت الارض البسيطة شفافة لكان يجب أن نرى في شيء من أجزاء الأرض مما ليس متكونا تكونا معدنيا شيأ فيه اشفاف ولكان حكم الأرض في ذلك حكم الماء والهواء فانهما وان امتزجا الا انهما ما عدما الاشفاف بالكلية واختلف القائلون بالتلون فمنهم من قال : إن لونها هو الغبرة ومنهم من زعم أنه السواد وزعم أن الغبرة انما تكون اذا خالطت الاجزاء الارضية اجزاء هوائية فبسببها ينكسر ويحصل الغبرة وأما اذا اجتمعت تلك الاجزاء بحيث لايخالطها كثير هوائية اشتد السواد وذلك مثل الفحم قبل أن يترمد فان النار لا عمل لها الا في تفريق المختلفات فهي لما حللت ما في الخشب من الهوائية واجتمعت الاجزاء الأرضية من غير أن يتخللها شيء غريب ظهر لون اجزائها وهو السواد ثم اذا رمدته اختلطت بتلك الاجزاء أجزاء هوائية فلا جرم أبيضت مرة أخرى ولذلك صح في الخبر وقد سبق اطلاق الغبراء على الارض وهو محتمل لأن تكون سائر طبقاتها كذلك ولأن يكون وجهها الاعلى كذلك نعم جاء في بعض الآثار ان في أسفل الأرض ترابا أبيض وما ذكر من الطبقات مما لايصادم خبرا صحيحا في ذلك وكونها سبع طبقات بين كل طبقة وطبقة كما بين كل سماء وسماء خمسمائة عام وفي كل خلق غير مسلم ومن الأرض مثلهن لايثبته كما ستعلم ان شاء الله تعالى والخبر في ذلك غير مسلم الصحة أيضا ومثل ذلك فيما أرى ماروى عن كعب أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ان الله تعالى جعل مسيرة مابين المشرق والمغرب خمسمائة سنة فمائة سنة في المشرق لايسكنها شيء من الحيوان لاجن ولا انس ولا دابة وليس في ذلك شجرة ومائة سنة في المغرب كذلك وثلثمائة سنة فيما بين المشرق والمغرب يسكنها الحيوان وكذا ما أخرجه ابن