ليس وراءه شيء حتى يرى ولا في الفلك الذي يسمونه بفلك الثوابت أيضا اذ ليس فوقه كوكب مرئي وليس لهم أن يقولوا لو كان كل منهما ملونا لوجب رؤيته لأنا نقول جاز أن يكون لونه ضعيفا كلون الزجاج فلا يرى من بعيد ولئن سلمنا وجوب رؤية لونه قلنا : لم لايجوز أن تكون هذه الزرقة الصافية المرئية لونه وما ذكر أولا فيها دون اثباته كرة النار وما يقال : إنها أمر يحسن في الشفاف اذا بعد عمقه كما في ماء البحر فإنه يرى أزرق متفاوت الزرقة بتفاوت قعره قربا وبعد فالزرقة المذكورة لون يتخيل في الجو الذي بين السماء والأرض لأنه شفاف بعد عمقه لايجدي نفعا لأن الزرقة كما تكون لونا متخيلا قد تكون أيضا لونا حقيقيا قائما بالأجساد وما الدليل على أنها لاتحدث الا بذلك الطريق التخيلي فجاز أن تكون تلك الزرقة المرئية لونا حقيقيا لأحد الفلكين كذا قال بعض المحققين وأنت تعلم أنه لا مانع عند المسلمين من كون المرئي هو السماء الدنيا المسماة بفلك القمر عند الفلاسفة بل هو الذي تقتضيه الظواهر ولا نسلم أن مايذكرونه من طبقات الهواء مانعا وهذه الزرقة يحتمل أن تكون لونا حقيقيا لتلك السماء صبغها الله تعالى به حسبما اقتضته حكمته وعليه الأثريون كما قال القسطلاني ويؤيده ظاهر ماصح من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : وما أظلت الخضراء ولا أفلت الغبراء وفي رواية الأرض من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ويحتمل أن يكون لونا تخيليا في طبقة من طبقات الهواء الشفاف الذي ملأ الله به مابين السماء والأرض ويكون لها في نفسها لون حقيقي الله تعالى أعلم بكيفيته ولا بعد في أن يكون أبيض وهو الذي يقتضيه بعض الأخبار لكنا نحن نراها من وراء ذلك الهواء بهذه الكيفية كما نرى الشيء الأبيض من وراء جام أخضر أخضر ومن وراء جام أزرق أزرق وهكذا وجاء في بعض الآثار أن ذلك من انعكاس لون جبل قاف عليها .
وتعقب بأن جبل قاف لاوجود له وبرهن عليه بما يرده كما قال العلامة ابن حجر ما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من طرق أخرجها الحفاظ وجماعة منهم ممن التزموا تخريج الصحيح وقول الصحابي ذلك ونحوه مما لا مجال للرأي فيه حكمه حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلّم منها أن وراء أرضنا بحرا محيطا ثم جبلا يقال له قاف ثم أرضا ثم بحرا ثم جبلا وهكذا حتى عد سبعا من كل وخرج بعض أولئك عن عبدالله بن بريدة أنه جبل من زمرد محيط بالدنيا عليه كنفا السماء وعن مجاهد مثله ونقل صاحب حل الرموز ان له سبع شعب وأن لكل سماء منها شعبة وفي القلب من صحة ذلك مافيه بل أنا أجزم بأن السماء ليست محمولة إلا على كاهل القدرة والظاهر انها محيطة بالارض من سائر جهاتها كما روى عن الحسن وفي الزرقة الاحتمالان بقي الكلام في رؤية باقي السموات وظاهر الآية يقتضيه وأظنك لاترى ذلك وظاهر بعض الآيات يساعدك فتحتاج إلى القول بأن الباقي وإن لم يكن مرئيا حقيقة لكنه في حكم المرئي ضرورة أنه إذا لم يكن لهذا عماد لايتصور أن يكون لما وراءه عماد عليه بوجه من الوجوه ويؤل هذا إلى كون المراد ترونها حقيقة أو حكما بغير عمد وجوز أن يكون المراد ترون رفعها أي السموات جميعا بغير ذلك وفي الكشف مايشير اليه وإذا جعل الضمير للعمد فالأمر ظاهر فتدبر ومن البعيد الذي لانراه زعم بعضهم أن ترونها خبر في اللفظ ومعناه الامر روها وانظروا هل لها من عمد ثم استوى سبحانه استواء يليق بذاته على العرش وهو المحدد بلسان الفلاسفة وقد جاء في الاخبار من عظمه مايبهر العقول وجعل غير واحد من الخلف الكلام استعارة