وقرأ أبو حيوة ويحيى بن وثاب عمد بضمتين وهو جمع عماد كشهاب وشهب أو عمود كرسول ورسل ويجمعان في القلة على أعمدة والجمع لجمع السموات لا لأن المنفي عن كل واحدة منها العمد لا العماد والجار والمجرور في موضع الحال أي رفعها خالية عن عمد ترونها استئناف لامحل له من الاعراب جيء به للإستشهاد على كون السموات مرفوعة كذلك كأنه قيل : ماالدليل على ذلك فقيل : رؤيتكم لها بغير عمد فهو كقولك : أنا بلا سيف ولا رمح تراني .
ويحتمل أن يكون الاستئناف نحويا بدون تقدير سؤال وجواب والأول أولى وجوز أن تكون الجملة في موضع الحال من السموات أي رفعها مرئية لكم بغير عمد وهي حال مقدرة لأن المخاطبين حين رفعها لم يكونوا مخلوقين وأياما كان فالضمير المنصوب للسموات .
وجوز كون الجملة صفة للعمد فالضمير لها واستدل لذلك بقراءة أبي ترونه لأن الظاهر أن الضمير عليها للعمد وتذكيره حينئذ لائح الوجه لأنه اسم جمع فلوحظ أصله في الافراد ورجوعه إلى الرفع خلاف الظاهر وعلى تقدير الوصفية يحتمل توجه النفي إلى الصفة والموصوف على منوال .
ولا ترى الضب بها يتجحر .
لأنها لو كانت لها عمد كانت مرئية وهذا في المعنى كالاستئناف ويحتمل توجهه الى الصفة فيفيد أن لها عمدا لكنها غير مرئية وروى ذلك عن مجاهد وغيره والمراد بها قدرة الله تعالى وهو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض فيكون العمد على هذا استعارة وأخرج ابن حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : السماء على أربعة أملاك كل زاوية موكل بها ملك وزعم بعضهم أن العمد جبل قاف فانه محيط بالأرض والسماء عليه كالقبة وتعقبه الامام بأنه في غاية السقوط وسيأتي أن شاء الله تعالى مايمكن أن يكون مراده في وجه ذلك وأنا لاأرى ماقبله يصح عن ابن عباس فالحق أن العمد قدره الله تعالى وهذا دليل على وجود الصانع الحكيم تعالى شأنه وذلك لأن ارتفاع السموات على سائر الأجسام المساوية لها في الجرمية كما تقرر في محله واختصاصها بما يقتضي ذلك لابد وأن يكون لمخصص ليس بجسم ولا جسماني يرجح بعض الممكنات على بعض بارادته .
ورجح في الكشف استئاف الجملة بأن الاستدلال برفع هذه الأجرام دون عمد كاف والاستشهاد عليه بكونه مشاهدا محسوسا تأكيد للتحقيق ثم لايخفى أن الضمير المنصوب في ترونها اذا كان راجعا الى السموات المرفوعة اقتضى ظاهرا الآية أن المرئى هو السماء وقد صرح الفلاسفة بأن المرئي هو كرة البخار وثخنها كما قال صاحب التحفة أحد وخمسون ميلا وتسع وخمسون دقيقة والمجموع سبعة عشر فرسخا وثلث فرسخ تقريبا وذكروا أن سبب رؤيتها زرقاء انها مستضيئة دائما بأشعة الكواكب وما وراءها لعدم قبوله الضوء كالمظلم بالنسبة اليها فاذا نفذ نور البصر من الأجزاء المستنيرة بالأشعة إلى الأجزاء التي هي كالمظلم رأى الناظر مافوقه من المظلم بما يمازجه من الضياء الأرضي والضياء الكوكبي لونا متوسطا بين الظلام والضياء وهو اللون اللازوردي وذلك كما اذا نظرنا من جسم أحمر مشف الى جسم أخضر فانه يظهر لنا لون مركب من الحمرة والخضرة وأجمعوا أن السموات التي هي الأفلاك لاترى لأنها شفافة لالون لها لأنها لاتحجب الأبصار عن رؤية ما وراءها من الكواكب وكل ملون فانه يحجب عن ذلك وتعقب ذلك الامام الرازي بأنا لانسلم أن كل ملون حاجب فان الماء والزجاج ملونان لأنهما مرئيان ومع ذلك لايحجبان فان قيل : فيهما حجب عن الابصار الكامل قلنا : وكيف عرفتم أنكم أدركتم هذه الكواكب إدراكا تاما انتهى على أن ماذكروه لايتمشى في المحدد إذ