وقت المراودة ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس قال أبو علي : أحسن الناس حالا من رأى نفسه تحت ظل الفضل والمنة لاتحت ظل العمل والسعي ياصاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار دعاء إلى التوحيد على أتم وجه وحكى أن رجلا قال للفضيل : عظني فقرأ له هذه الآية وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك كان ذلك على ماقيل غفلة منه عليه السلام عما يقتضيه مقامه ويشير اليه كلامه ولهذا أدبه ربه باللبث في السجن ليبلغ أقصى درجات الكمال والانبياء مؤاخذون بمثاقيل الذر لمكانتهم عند ربهم وقد يحمل كلامه هذا على مالايوجب العتاب كما ذهب اليه بعض ذوي الالباب يوسف أيها الصديق قال أبو حفص : الصديق من لايتغير عليه باطن أمره من ظاهره وقيل : الذي لايخالف قاله حاله وقيل : الذي يبذل الكونين في رضا محبوبه وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربي اشارة إلى أن النفس بطبعها كثيرة الميل إلى الشهوات قال أبو حفص : النفس ظلمة كلها وسراجها التوفيق فمن لم يصحبه التوفيق كان في ظلمة وقد تخفى دسائس النفس إلى حيث تتأمر بخير وتضمر فيه شرا ولا يفطن لدسائسها الا لوذعى : فخالف النفس والشيطان واعصمها وإن هما محضاك النصح فانهم وذكر بعض السادة أن النفس تترقى بواسطة المجاهدة والرياضة من مرتبة كونها أمارة إلى مرتبة أخرى من كونها لوامة وراضية مرضية ومطمئنة وغير ذلك وجعلوا لها في كل مرتبة ذكرا مخصوصا وأطنبوا في ذلك فليرجع اليه قال اجعلني على خزائن الارض إني حفيظ عليم قيل : خزائن الأرض رجالها أي اجعلني عليهم أمينا فاني حفيظ لما يظهرونه عليم بما يضمرونه وقيل : أراد الظاهر إلا أنه أشار أنه متمكن من التصرف مع عدم الغفلة أي حفيظ للأنفاس بالذكر وللخواطر بالفكر عليم بسواكن الغيوب وخفايا الاسرار وجاء أخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون قال بعضهم : لما جفوه صار جفاؤهم حجابا بينهم وبين معرفتهم اياه وكذلك المعاصي تكون حجابا على وجه معرفة الله تعالى قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم كأنه عليه السلام أمر بذلك ليكمل لأبيه عليه السلام مقام الحزن الذي هو كما قال الشيخ الأكبر قدس سره : من أعلى المقامات وقال بعضهم : إن علاقة المحبة كانت بين يوسف ويعقوب عليهما السلام من الجانبين فتعلق أحدهما بالآخر كتعلق الآخر به كما يرى ذلك في بعض العشاق مع من يعشقونه وانشدوا : لم يكن المجنون في حالة الا وقد كنت كما كانا لكنه باح بسر الهوى وانني قد ذبت كتمانا فغار عليه السلام أن ينظر أبوه الى أخيه نظره اليه فيكونا شركين في ذلك والمحب غيور فطلب أن يأتوه به لذلك والحق أن الأمر كان عن وحي لحكمة غير هذه وإنه لذو علم لما علمناه اشارة الى العلم اللدني وهو على نوعين ظاهر الغيب وهو علم دقائق المعاملات والمقامات والحالات والكرامات والفراسات وباطن الغيب وهو علم بطون الافعال ويسمى حكمة المعرفة وعلم الصفات ويسمى المعرفة الخاصة وعلم الذات ويسمى التوحيد والتفريد والتجريد وعلم أسرار القدم ويسمى علم الفناء والبقاء وفي الأولين للروح مجال وفي الثالث للسر والرابع لسر السر وفي المقام تفصيل وبسط يطلب من محله ولما دخلوا على يوسف آوى اليه أخاه كأنه عليه السلام إنما فعل ذلك ليعرفه الحال بالتدريج حتى يتحمل أثقال السرور إذ المفاجأة في مثل ذلك ربما