كما في قوله تعالى : و أوتيت من كل شيء ومن لم ينتبه لهذا احتاج إلى تخصيص الشيء بالذي يتعلق بالدين ثم تكلف في بيانه فقال : إذ مامن أمر الخ ولم يدر أن عبارة التفضيل لاتتحمل هذا التأويل ورد بأنه متى أمكن حمل كلمة كل على الاستغراق الحقيقي لايحمل على غيره والتخصيص مما لابأس به على أنه نفسه قد ارتكب ذلك في تفسير قوله تعالى : وتفصيلا لكل شيء وكون عبارة التفصيل لاتتحمل ذلك التأويل في حيز المنع ومن الناس من حمل كل على الاستغراق من غير تخصيص ذاهبا إلى أن القرآن تبين كل شيء من أمور الدين والدنيا وغير ذلك مما شاء الله تعالى ولكن مراتب التبيين متفاوتة حسب تفاوت ذوي العلم وليس ذلك بالبعيد عند من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وقيل : المراد تفصيل كل شيء واقع ليوسف وأبيه واخوته عليهم السلام مما يهتم به وهو مبني على أن الضمير في كان لقصصهم وهدى من الضلالة ورحمة ينال بها خير الدارين لقوم يؤمنون .
111 .
- يصدقون تصديقا به وخصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بذلك ونصب تصديق على أنه خبر كان محذوفا أي ولكن كان تصديق والاخبار بالمصدر لايخفى أمره .
وقرأ حمران بن أعين وعيسى الكوفة فيما ذكر صاحب اللوامح وعيسى الثقفي فيما ذكر ابن عطية تصديق بالرفع وكذا برفع ماعطف عليه على تقدير ولكن هو تصديق الخ وقد سمع من العرب في مثل ذلك الرفع والنصب ومنه قول ذي الرمة : وما كان مالي من تراث ورثته ولا دية كانت ولا كسب مأثم ولكن عطاء الله من كل رحلة الى كل محجوب السرداق خضرم فانه روى بنصب عطاء ورفعه هذا والله تعالى الهادي إلى سوء السبيل .
ومن باب الاشارة في هذه السورة قال سبحانه : نحن نقص عليك أحسن القصص وهو اقتصاص ماجرى ليوسف عليه السلام وأبيه واخوته عليهم السلام وإنما كان ذلك أحسن القصص لتضمنه ذكر العاشق والمعشوق وذلك مما ترتاح له النفوس أو لما فيه من بيان حقائق محبة المحبين وصفاء سر العارفين والتنبيه على حسن عواقب الصادقين والحث على سلوك سبيل المتوكلين والاقتداء بزهد الزاهدين والدلالة على الانقطاع إلى الله تعالى والاعتماد عليه عند نزول الشدائد والكشف عن أحوال الخائنين وقبح طرائق الكاذبين وابتلاء الخواص بأنواع المحن وتبديلها بأنواع الالطاف والمنن مع ذكر مايدل على سياسة الملوك وحالهم مع رعيتهم إلى غير ذلك وقيل : لخلو ذلك من الأوامر والنواهي التي يشغل سماعها القلب إذ قال يوسف لأبيه ياأبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين هذه أول مبادى الكشوف فقد ذكروا أن أحوال المكاشفين أوائلها المنامات فاذا قوى الحال تصير الرؤيا كشفا قيل : إنه عليه السلام قد سلك به نحوا مما سلك برسول الله صلى الله عليه وسلّم وذلك أنه بدىء بالرؤيا الصادقة كما بدىء رسول الله A بها فكان لايرى رؤيا إلا كانت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء على مايشير اليه قوله : رب السجن أحب إلي كما حبب إلي رسول الله E فكان يتحنث في غار حراء الليالي ذوات العدد وفيه أن حديث السجن بعد إيتاء النبوة فتدبر .
وذكر بعض الكبار أن يوسف عليه السلام كان آدم الثاني لما كان عليه من كسوة الربوبية ما كان