من المحدثين : ألم تخبرنا يارسول الله أنا ندخل البيت وتطوف قال : بلى أفاخبرتك إنك تدخله هذا العام قال : لا قال : إنك داخله ومطوف به وكدلك قال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه فبين له أن الوعد منه E كان مطلقا غير مقيد بوقت وكونه صلى الله عليه وسلّم سعى في ذلك العام إلى مكة وقصدها لايوجب تخصيصا لوعده تعالى بالدخول في تلك السنة ولعله E إنما سعى بناء على ظن أن يكون الامر كذلك فلم يكن ولا محذور في ذلك فليس من شرط النبي A أن يكون كل ماقصده بل من تمام نعمة الله تعالى عليه أن يأخذ به عما يقصده إلى أمر آخر هو أنفع مما قصده إن كان كما كان في عام الحديبية ولايضر أيضا خروج الامر على خلاف مايظنه E فقد روى مسلم في صحيحه أنه E قال في تأبير النخل : إنما ظننت ظنا فلا تؤاخدوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله تعالى شيئا فخذوا به فانى لن أكذب على الله تعالى ومن ذلك قوله A في حديث ذي اليدين : ما قصرت الصلاة ولانسيت ثم تبين النسيان وفي قصة الوليد بن عقبة النازل فيها إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا الآية وقصة بني أبيرق النازل فيها إنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله ولا تكن للخائنين خصيما مافيه كفاية في العلم بأنه A قد يظن الشيء فيبينه الله تعالى على وجه آخر وإذا كان رسول الله A وهو هو هكذا فما ظنك بغيره من الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام ومما يزيد هذا قوة أن جمهور المحدثين والفقهاء على أنه يجوز للأنبياء عليهم السلام الاجتهاد في الاحكام الشرعية ويجوز عليهم الخطأ في ذلك لكن لايقرون عليه فانه لاشك أن هذا دون الخطأ في ظن ماليس من الاحكام الشرعية في شيء وإذا تحقق ذلك فلا يبعد أن يقال : إن أولئك عليهم السلام أخبروا بعذاب قومهم ولم يعين لهم وقت له فاجتهدوا وعينوا لذلك وقتا حسبما ظهر لهم كما عين أصحاب رسول الله A عام الحديبية لدخول مكة فلما طالت المدة استيأسوا وظنوا كذب أنفسهم وغلط اجتهادهم وليس في ذلك ظن بكذب وعده تعالى ولا مستلزما له أصلا فلا محذور وأنت تعلم أن الأوفق بتعظيم الرسل عليهم السلام والأبعد عن الحوم حول حمى ما لايليق بهم القول بنسبة الظن إلى غيرهم صلى الله تعالى عليهم وسلم والله تعالى أعلم والظاهر أن ضمير جاءهم على سائر القراآت والوجوه للرسل وقيل : إنه راجع اليهم وإلى المؤمنين جاء الرسل ومن آمن بهم نصرنا فنجى من نشاء أنجاه وهم الرسل والمؤمنون بهم وإنما لم يعينوا للاشارة إلى أنهم الذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم ولا يشاركهم فيه غيرهم .
وقرأ عاصم وابن عامر ويعقوب فنجى بنون واحدة وجيم مشددة وياء مفتوحة على أنه ماض مبني للمفعول و من نائب الفاعل وقرأ مجاهد والحسن والجحدري وطلحة وابن هرمز كذلك إلا أنهم سكنوا الياء وخرجت على أن الفعل ماض أيضا كما في القراءة التي قبلها إلا أنه سكنت الياء على لغة من يستثقل الحركة على الياء مطلقا ومنه قراءة من قرأ ما تطعمون أهليكم بسكون الياء وقيل : الاصل ننجي بنونين فأدغم النون في الجيم ورده أبو حيان بأنها لاتدغم فيها وتعقب بأن بعضهم قد ذهب إلى جواز ادغامها ورويت هذه القراءة عن الكسائي ونافع وقرأت فرقة كما قرأ باقي السبعة بنونين مضارع أنجى إلا أنهم فتحوا الياء ورواها هبيرة عن حفص عن عاصم وزعم ابن عطية أن ذلك غلط من هبيرة إذ لاوجه للفتح وفيه أن الوجه ظاهر فقد ذكروا أن الشرط والجزاء يجوز أن يأتي بعدهما المضارع منصوبا باضمار أن بعد الفاء كقراءة