الذي رد كيده إلى الوسوسة ونظير هذا ماصح من قوله صلى الله عليه وسلّم : نحن أحق بالشك من ابراهيم عليه السلام إذ قال له ربه : أولم تؤمن قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي فسمى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم التفاوت بين الايمان والاطمئنان شكا باحياء الموتى وعلى هذا يقال : الوعد بالنصر في الدنيا لشخص قد يكون الشخص مؤمنا بانجازه ولكن قد يضطرب قلبه فيه فلا يطمئن فيكون فوات الاطمئنان ظنا أنه كذب فالشك وظن أنه كذب من باب واحد وهذه الامور لاتقدح في الايمان الواجب وإن كان فيها ما هو ذنب فالانبياء عليهم السلام معصومون من الاقرار على ذلك كما في أفعالهم على ماعرف من أصول السنة والحديث وفي قص مثل ذلك عبرة للمؤمنين عليهم السلام فانهم لابد أن يبتلوا بما هو أكثر من ذلك فلا ييأسوا إذا ابتلوا ويعلمون أنه قد ابتلى من هو خير منهم وكانت العاقبة إلى خير فيتيقن المرتاب ويتوب المذنب ويقوى إيمان المؤمن وبذلك يصح الاتساء بالانبياء ومن هنا قال سبحانه : لقد كان في قصصهم عبرة ولو كان المتبوع معصوما مطلقا لايتأتى الإتساء فانه يقول : التابع أنا لست من جنسه فانه لايذكر بذنب فاذا أذنب استيأس من المتابعة والاقتداء لما أتى به من الذنب الذي يفسد المتابعة على القول بالعصمة بخلاف ماإذا علم أنه قد وقع شيء وجبر بالتوبة فانه يصح حينئذ أمر المتابعة كما قيل : أول من أذنب وأجرم ثم تاب وندم أبو البشر آدم .
ومن يشابه أبه فما ظلم .
ولا يلزم الاقتداء بهم فيما نهوا عنه ووقع منهم ثم تابوا عنه لتحقق الامر بالاقتداء بهم فيما أقروا ليه ولم ينهوا عنه ووقع منهم ولم يتوبوا منه وما ذكر ليس بدون المنسوخ من أفعالهم وإذا كان ماأمروا به وأبيح لهم ثم نسخ تنقطع فيه المتابعة فما لم يؤمروا به ووقع منهم وتابوا عنه أحرى وأولى بانقطاع المتابعة فيه اه .
ولا يخفى أن ماذكره مستلزم لجواز وقوع الكبائر من الانبياء عليهم السلام وحاشاهم من غير أن يقروا على ذلك والقول به جهل عظيم ولا يقدم عليه ذو قلب سليم على أن في كلامه بعد مافيه وليته اكتفى بجعل الضمائر للرسل وتفسير الظن بالتوهم كما فعل غيره فانه ما لابأس به وكذا لابأس في حمل كلام ابن عباس على أنه أراد بالظن فيه ماهو على طريق الوسوسة ومثالها من حديث النفس فان ذلك غير الوسوسة المنزه عنها الانبياء عليهم السلام أو على أنه أراد بذلك المبالغة في التراخي وطول المدة على طريق الاستعارة التمثيلية بان شبه المبالغة في التراخي بظن الكذب باعتبار استلزم كل منهما لعدم ترتب المطلوب فاستعمل ما لأحدهما في الآخر وقيل : ان الضمائر الثلاثة للمرسل اليهم لأن ذكر الرسل متقاض ذاك ونظير ذلك قوله : أمنك البرق أرقبه فهاجا وبت اخاله دهما خلاجا فان ضمير اخاله للرعد ولم يصرح به بل اكتفى بوميض البرق عنه وان شئت قلت : ان ذكرهم قد جرى في قوله تعالى : أفلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم فيكون الضمير للذين من قبلهم ممن كذب الرسل عليهم السلام والمعنى ظن المرسل اليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما ادعوه من النبوة وفيما وعدوا به من لم يؤمن من العقاب وروى ذلك عن ابن عباس أيضا فقد أخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور والنسائي وابن جرير وغيرهم من طرق عنه رضي الله تعالى عنه أنه كان يقرأ كذبوا مخففة ويقول : حتى إذا يئس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم وظن قومهم ان الرسل قد