اليه وقد مر الكلام في ذلك وظنوا أنهم قد كذبوا بالتخفيف والبناء للمفعول وهي قراءة علي كرم الله تعالى وجهه وأبى وابن مسعود وابن عباس ومجاهد وطلحة والاعمش والكوفيين واختلف في توجيه الآية على ذلك فقيل : الضمائر الثلاثة للرسل والظن بمعنى التوهم لا بمعناه الاصلي ولا بمعناه المجازي أعني اليقين وفاعل كذبوا المقدر إما أنفسهم أو رجاؤهم فانه يوصف بالصدق والكذب أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون أو كذبهم رجاؤهم النصر والمعنى أن مدة التكذيب والعداوة من الكفار وانتظار النصر من الله تعالى قد تطاولت وتمادت حتى استشعروا القنوط وتوهموا أن لا نصر لهم في الدنيا جاءهم نصرنا فجأة وقيل : الضمائر كلها للرسل والظن بمعناه وفاعل كذبوا المقدر من أخبرهم عن الله تعالى وروى ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقد أخرج الطبراني وغيره عن عبدالله بن أبي مليكة قال : إن ابن عباس قرأ قد كذبوا مخففة ثم قال : يقول اختلفوا وكانوا بشرا وتلا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله قال ابن أبي مليكة : فذهب ابن عباس الى أنهم يئسوا أو ضعفوا فظنوا أنهم قد أخلفوا وروى ذلك عنه البخاري في الصحيح واستشكل هذا بأن فيه مالايليق نسبته الى الانبياء عليهم السلام بل الى صالحي الامة ولذا نقل عن عائشة رضي الله تعالى عنها ذلك فقد أخرج البخاري والنسائي وغيرهمامن طريق عروة أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها عن هذه الآية قال : قلت أكذبوا أم كذبوا فقالت عائشة بل كذبوا يعني فقلت : لعله وظنوا أنهم قد كذبوا مخففة قالت : معاذ الله تعالى لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها قلت : فما هذه الآية قالت : هم اتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى اذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاء نصر الله تعالى عند ذلك .
وأجاب بعضهم بأنه يمكن أن يكون أراد رضي الله تعالى عنه بالظن مايخطر بالبال ويهجس بالقلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية وذهب المجد بن تيمية إلى رجوع الضمائر جميعها أيضا إلى الرسل مائلا إلى ما روى عن ابن عباس مدعيا أنه الظاهر وأن الآية على حد قوله تعالى : إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته فان الالقاء في قلبه وفي لسانه وفي عمله من باب واحد والله تعالى ينسخ مايلقي الشيطان ثم قال : والظن لايراد به في الكتاب والسنة الاعتقاد الراجح كما هو في اصطلاح طائفة من أهل العلم ويسمون الاعتقاد المرجوح وهما فقد قال صلى الله عليه وسلّم : إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث وقال سبحانه : إن الظن لايغني عن الحق شيئا فالاعتقاد المرجوح هو ظن وهو وهم وهذا قد يكون ذنبا يضعف الايمان ولا يزيله وقد يكون حديث النفس المعفو عنه كما قال E : إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها مالم تتكلم أو تعمل وقد يكون من باب الوسوسة التي هي صريح الإيمان كما ثبت في الصحيح أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا : يارسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما أن يحرق حتى يصير حمما أو يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به قال A : أوقد وجدتموه قالوا : نعم قال : ذلك صريح الايمان وفي حديث آخر إن أحدنا ليجد ما يتعاظم أن يتكلم به قال : الحمد لله