وهذا عذر واضح ليوسف عليه السلام في عدم اعلام أبيه بسلامته وقد صرح غير واحد بأنه عليه السلام أوحى اليه باخفاء الامر على أبيه الى أن يبلغ الكتاب أجله لكن يبقى السؤال بأن يعقوب عليه السلام كان من أكابر الانبياء نفسا وأبا وجدا وكان مشهورا في أكناف الأرض ومن كان كذلك ثم وقعت له واقعة هائلة في أعز أولاده عليه لم تبق تلك الواقعة خفية بل لابد وان تبلغ في الشهرة الى حيث يعرفها كل أحد لاسيما وقد انقضت المدة الطويلة فيها وهو في ذلك الحزن الذي تضرب فيه الامثال ويوسف عليه السلام ليس بمكان بعيد عن مكانه ولا متوطنا زوايا الخفاء ولا خامل الذكر بل كان مرجع العام والخاص وداعيا الى الله تعالى في السر والعلن وأوقات السرور والمحن فكيف غم أمره ولم يصل الى أبيه خبره .
وأجيب عن ذلك بأنه ليس الا من باب خرق العادة واختلفوا في مقدار المدة بين الرؤيا وظهور تأويلها فقيل : ثماني عشرة سنة وأخرج عبدالله بن أحمد في زاوئد الزهد عن الحسن أن المدة ثمانون سنة وأخرج ابن جرير عن ابن جريج أنها سبع وتسعون سنة وعن حذيفة أنها سبعون سنة وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أنها خمس وثلاثون سنة وأخرج جماعة عن سلمان الفارسي انها أربعون سنة وهو قول الاكثرين قال ابن شداد : والى ذلك ينتهي تأويل الرؤيا والله تعالى أعلم بحقائق الأمور .
رب قد ءاتيتني من الملك أي بعضا عظيما منه فمن للتبعيض ويبعد القول بزيادتها أو جعلها لبيان الجنس والتعظيم من مقتضيات المقام وبعضهم قدر عظيما في النظم الجليل على أنه مفعول به كما نقل أبو البقاء وليس بشيء والظاهر أنه أراد من ذلك البعض ملك مصر ومن الملك ما يعم مصر وغيرها ويفهم من كلام بعضهم جواز أن يراد من الملك مصر ومن البعض شيء منها وزعم أنه لاينافي قوله تعالى : مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء لأنه لم يكن مستقلا فيه وان كان ممكنا وفيه تأمل وقيل : أراد ملك نفسه من انفاذ شهوته وقال عطاء : ملك حساده بالطاعة ونيل الاماني وليس بذاك وعلمتني من تأويل الأحاديث أي بعضا من ذلك كذلك والمراد بتأويل الأحاديث أما تعليم تعبير الرؤيا وهو الظاهر واما تفهيم غوامض أسرار الكتب الالهية ودقائق سنن الانبياء وعلى التقديرين لم يؤت عليه السلام جميع ذلك والترتيب على غير الظاهر ظاهر واما على الظاهر فلعل تقديم ايتاء الملك على ذلك في الذكر لأنه بمقام تعداد النعم الفائضة عليه من الله سبحانه والملك أعرق في كونه من التعليم المذكور وان كان ذلك ايضا نعمة جليلة في نفسه فتذكر وتأمل 1 وقرأ عبدالله وابن ذر آتيتن وعلمتن بحذف الياء فيهما اكتفاء بالكسرة وحكى ابن عطية عن الاخير آتيتني بغير قد فاطر السموت والأرض أي مبدعهما وخالقهما ونصبه على أنه نعت لرب أو بدل أو بيان أو منصوب بأعنى أو منادى ثان ووصفه تعالى به بعدو صفة بالربوبية مبالغة في ترتيب مبادىء ما يعقبه من قوله : أنت ولي متولى أموري ومتكفل بها أو موال لي وناصر في الدنيا والآخرة فالولي أما في الولاية أو الموالاة وجوز أن يكون بمعنى المولى كالمعطي لفظا ومعنى أي الذي يعطيني نعم الدنيا