والآخرة توفني أقبضني مسلما والحقني بالصالحين .
101 .
- من آبائي على ما روى عن ابن عباس أو بعامة الصالحين في الرتبة والكرامة كما قيل واعترض بأن يوسف عليه السلام من كبار الانبياء عليهم السلام والصلاح أول درجات المؤمنين فكيف يليق به أن يطلب اللحاق بمن هو في البداية وأجيب بأنه عليه السلام طلبه هضما لنفسه فسبيله سبيل استغفار الانبياء عليهم السلام ولا سؤال ولا جواب إذا أريد من الصالحين آباؤه الكرام يعقوب واسحق وابراهيم عليهم السلام وقال الامام : ههنا وههنا مقام آخر في الآية على لسان اصحاب المكاشفات وهو أن النفوس المفارقة إذا اشرقت بالأنوار الالهية واللواء مع القدسية فاذا كانت متناسبة متشاكلة انعكس النور الذي في كل واحد منها إلى الأخرى بسبب تلك الملائمة والمجانسة فعظمت تلك الانوار وتقوت هاتيك الاضواء ومثال ذلك المرايا الصقيلة الصافية إذا وصفت وصفا متى اشرقت الشمس عليها انعكس الضوء من كل واحد منها إلى الأخرى فهناك يقوى الضوء ويكمل النور وينتهي في الاشراق والبريق إلى حد لاتطيقه الابصار الضعيفة فكذلك ههنا انتهى وهو كما ترى والحق أن يقال : إن الصلاح مقول بالتشكيك متفاوت قوة وضعفا والمقام يقتضي أنه عليه السلام أراد بالصالحين المتصفين بالمرتبة المعتنى بها من مراتب الصلاح وقد قدمنا ما عند أهل المكاشفات في الصلاح فارجع اليه .
بقي أن المفسرين اختلفوا في أن هذا هل هو منه عليه السلام تمنى للموت وطلب منه أم لا فالكثير منهم على أنه طلب وتمنى لذلك قال الامام : ولا يبعد من الرجل العاقل إذا كمل عقله أن يتمنى الموت وتعظم رغبته فيه لأنه حينئذ يحس بنقصانه مع شغفه بزواله وعلمه بأن الكمال المطلق ليس الا لله تعالى فيبقى في قلق لايزيله الا الموت فيتمناه وأيضا يرى أن السعادة الدنيوية سريعة الزوال مشرفة على الفناء والألم الحاصل عند زوالها أشد من اللذة الحاصلة عند وجدانها مع أنه ليس هناك لذة الا وهي ممزوجة بما ينغصها بل لو حققت لاترى لذة حقيقية في هذه اللذائذ الجسمانية وإنما حاصلها دفع الآلام فلذة الاكل عبارة عن دفع ألم الجوع ولذة النكاح عبارة عن دفع الالم الحاصل بسبب الدغدغة المتولدة من حصول المنى في أوعيته وكذا الامارة والرياسة يدفع بها الالم الحاصل بسبب شهوة الانتقام ونحو ذلك والكل لذلك خسيس وبالموت التخلص عن الاحتياج اليه على أن عمدة الملاذ الدنيوية الاكل والجماع والرياسة والكل في نفسه خسيس معيب فان الاكل عبارة عن ترطيب الطعام بالبزاق المجتمع في الفم ولاشك أنه مستقذر في نفسه ثم حينما يصل إلى المعدة يظهر فيه الاستحالة والتعفن ومع ذا يشارك الانسان فيه الحيوانات الخسيسة فيلتذ الجعل بالروث التذاذ الانسان باللوزينج وقد قال العقلاء : من كان همته ما يدخل في بطنه فقيمته ما يخرج من بطنه والجماع نهاية ما يقال فيه : إنه اخراج فضلة متولدة من الطعام بمعونة جلدة مدبوغة بالبول ودم الحيض والنفاس مع حركات لو رأيتها من غيرك لأضحكتك وفيه أيضا تلك المشاركة وغاية ما يرجى من ذلك تحصيل الولى الذي يجر إلى شغل البال والتحيل لجمع المال ونحو ذلك والرياسة إذا لم يكن فيها سوى أنها على شرف الزوال في كل آن لكثرة من ينازع فيها ويطمح نظره اليها فصاحبها لم يزل خائفا وجلا من ذلك لكفاها عيبا وقد يقال أيضا : إن النفس خلقت مجبولة على طلب اللذات والعشق الشديد لها والرغبة التامة في الوصول اليها فما دام في هذه الحياة الجسمانية يكون طالبا لها وما دام كذلك فهو في عين الآفات ولجة الحسرات وهذا اللازم مكروه والملزوم مثله فلهذا يتمنى العاقل زوال هذه الحياة الجسمانية ليستريح من ذلك النصب ولله تعالى قول من قال :