وما عطف عليه واذا كانت ظرفية فهو غيرهما ولم يصرح عليه السلام بقصة الجب حذرا من تثريب اخوته وتناسيا لما جرى منهم لأن الظاهر حضورهم لوقوع الكلام عقيب خرورهم سجدا ولأن الاحسان انما تم بعد خروجه من السجن لوصوله للملك وخلوصه من الرق والتهمة واكتفاء بما يتضمنه قوله : وجاء بكم من البدو أي البادية وأصله 1 البسيط من الارض وانما سمي بذلك لأن مافيه يبدو للناظر لعدم مايواريه ثم أطلق على البرية مطلقا وكان منزلهم على ماقيل : بأطراف الشام ببادية فلسطين وكانوا أصحاب ابل وغنم وقال الزمخشري : كانوا أهل عمد وأصحاب مواش ينتقلون في المياه والمناجع وزعم بعضهم أن يعقوب عليه السلام انما تحول الى البادية بعد النبوة لأن الله تعالى لم يبعث نبيا من البادية وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : كان يعقوب عليه السلام قد تحول الى بدا وسكنها ومنها قدم على يوسف وله بها مسجد تحت جبلها : قال ابن الانباري : إن بدا اسم موضع معروف يقال : هو بين شعب وبدا وهما موضعان ذكرهما جميل 2 بقوله : وأنت الذي حببت شعبا الى بدا الى وأوطاني بلاد سواهما فالبدو على هذا قصد هذا الموضع يقال : بدا القوم بدوا اذا أتوا بدا كما يقال : أغاروا غورا اذا أتوا الغور فالمعنى أتى بكم من قصد بدا فهم حينئذ حضريون 3 كذا قاله الواحدي في البسيط وذكره القشيري وهو خلاف الظاهر جدا من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين أخوتي أي أفسد وحرش وأصله من نزع الرابض الدابة اذا نخسها وجملها على الجري وأسند ذلك الى الشيطان مجازا لأنه بوسوسته والقائه وفيه تفاد عن تثريبهم أيضا وذكره تعظيما لأمر الاحسان لأن النعمة بعد البلاء أحسن موقعا واستدل الجبائي والكعبي والقاضي بالآية على بطلان الجبر وفيه نظر أن ربي لطيف لما يشاء أي لطيف التدبير له اذ ما من صعب الا وتنفذ فيه مشيئته تعالى ويتسهل دونها كذا قاله غير واحد وحاصله أن اللطيف هنا بمعنى العالم بخفايا الامور المدبر لها والمسهل لصعابها ولنفوذ مشيئته سبحانه فاذا أراد شيئا سهل أسبابه أطلق عليه جل شأنه اللطيف لأن ما يلطف يسهل نفوذه والى هذا يشير كلام الراغب حيث قال : اللطيف ضد الكثيف ويعبر باللطيف عن الحركة الخفيفة وتعاطي الامور الدقيقة فوصف الله تعالى به لعلمه بدقائق الامور ورفقه بالعباد فاللام متعلقة بلطيف لأن المراد مدبر لما يشاء على ما قاله غير واحد وقال بعضهم : إن المعنى لأجل مايشاء وهو على الأول متعد باللام وعلى الثاني غير متعد بها وقد تقدم آنفا مافي ذلك إنه هو العليم بوجوه المصالح الحكيم .
1 .
- الذي يفعل كل شيء على وجه الحكمة لاغيره روى أن يوسف طاف بأبيه عليهما السلام في خزائنه فلما أدخله خزينة القرطاس قال : يابني ما أعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت الى على ثمان مراحل قال : أمرني جبريل قال : أو ما تسأله قال : أنت أبسط مني اليه فسأله قال : جبريل عليه السلام الله تعالى أمرني بذلك لقولك : وأخاف أن يأكله الذئب قال : فهلا خفتني