ثم قال : فأجبت أنا بعد الحمد الله تعالى ما أفتى به هذا المجيب من عدم وقوع الطلاق معللا بما ذكر فمنبىء عن فرط جهله وحمقه وكثرة مجازفته في الدين وخرقه اذ ذاك في الفعل اذا وقع جوابا للقسم بالله تعالى نحو تفتأ لا في جواب اليمين بمعنى التعليق بما يشق من طلاق وعتاق ونحوهما وحينئذ اذا أصبح الحالف ولم يشتكه وقع عليه الطلاق الثلاث وبانت زوجته منه بينونة كبرى اه ولنعم ما قال ولله تعالى در القائل .
من الدين كشف الستر عن كل كاذب وعن كل بدعي أتى بالعجائب فلولا رجال مؤمنون لهدمت صوامع دين الله من كل جانب وفتىء هذه من أخوات كان الناقصة كما أشرنا اليه ويقال فيها : فتأ كضرب وأفتأ كأكرم وزعم ابن مالك أنها تكون بمعنى سكن وفتر فتكون تامة وعلى ذلك جاء تفسير مجاهد للاتفتأ بلا تفتر عن حبه وأوله الزمخشري بأنه عليه الرحمة جعل الفتوء والفتور أخوين أي متلازمين لاأنه بمعناه فان الذي بمعنى فتر وسكن هو فثأ بالمثلثة كما في الصحاح من فثأت القدر اذا سكن غليانها والرجل اذا سكن غضبه ومن هنا خطأ أبو حيان ابن مالك فيما زعمه وادعى أنه من التصحيف وتعقب بأن الأمر ليس كما قاله فان ابن مالك نقله عن الفراء وقد صرح به السرقسطي ولايمتنع اتفاق مادتين في معنى وهو كثير وقد جمع ذلك ابن مالك في كتاب سماه ما اختلف اعجامه واتفق افهامه ونقله عنه صاحب القاموس واستدل بالآية على جواز الحلف بغلبة الظن وقيل : إنهم علموا ذلك منه ولكنهم نزلوه منزلة المنكر فلذا أكدوه بالقسم أي نقسم بالله تعالى لاتزال ذاكر يوسف متفجعا عليه حتى تكون حرضا مريضا مشفيا على الهلاك وقيل : الحرض من اذابه هم أو مرض وجعله مهزولا نحيفا وهو في الأصل مصدر حوض فهو حرض بكسر الراء وجاء أحرضني كما في قوله .
اني أمرؤ لج بي حب فأحرضني حتى بليت وحتى شفني السقم ولكونه كذلك في الأصل لايؤنث ولا يثني ولا يجمع لأن المصدر يطلق على القليل والكثير وقال ابن إسحق : الحرض الفاسد الذي لاعقل له وقرىء حرضا بفتح الحاء وكسر الراء .
وقرأ الحسن البصري حرضا بضمتين ونحوه من الصفات رجل جنب وغرب 1 أو تكون من الهالكين .
58 .
- أي الميتين و أو قيل : يحتمل أن تكون بمعنى بل أو بمعنى فلا يرد عليه أن حق هذا التقديم على حتى تكون حرضا فان كانت للترديد فهي لمنع الخلو والتقديم على ترتيب الوجود كما قيل في قوله تعالى : لاتأخذه سنة ولا نوم أو لأنه أكثر وقوعا قال إنما أشكو بثي البث في الاصل اثارة الشيء وتفريقه كبث الريح التراب واستعمل في الغم الذي لايطيق صاحبه عليه كأنه ثقل عليه فلا يطيق حمله وحده فيفرقه على من يعينه فهو مصدر بمعنى المفعول وفيه استعارة تصريحية وجوز أن يكون بمعنى الفاعل أي الغم الذي بث الفكر وفرقه وأياما كان فالظاهر أن القوم قالوا ما قالوا بطريق التسلية والاشكاء فقال في جوابهم : إني لاأشكو مابي اليكم أو إلى غيركم حتى تتصدو لتسليتي وإنما أشكو غمي وحزني الى الله تعالى متلجئا إلى جنابه متضرعا في دفعه لدى بابه فانه القادر على ذلك وفي الخبر عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم من كنوز البر اخفاء الصدقة وكتمان المصائب والامراض ومن بث لم يصبر قرأ الحسن وعيسى حزني بفتحتين وقرأ قتادة بضمتين