هم دونه في العلم وهو الله عز وعلا وبيان ذلك على ما في الكشف أن غرضه أن يبين وجه التذييل بهذه الجملة فأفاد أنه إما على وجه التأكيد لرفع درجة يوسف عليه السلام على إخوته في العلم أي فاقهم علما لأن فوق كل ذي علم عليم أرفع درجة منه وفيه مدح له بأن الذين فاقهم علماء أيضا وإما على تحقيق أن الله تعالى رفعه درجات وهو اليه لامنازع له فيه فقال : وفوق العلماء كلهم عليم هم دونه يرفع من يشاء يقربه اليه بالعلم كما رفع يوسف عليه السلام وذكر أن مايقال : من أن الكل على الثاني مجموعي وعلى الأول بمعنى كل واحد كلام غير محصل لأن الداخل على النكرة لايكون مجموعيا وأصل النكتة في الترديد أنه لو نظر إلى العلم ولا تناهيه كان الأول فيرتقي إلى مالا نهاية لعلمه بل جل عن النهاية من كل الوجوه ولا بد من تخصيص في لفظ كل والمعنى وفوق كل واحد من العلماء عالم وهكذا إلى أن ينتهي ولو نظر إلى العالم وإفادته إياه كان الثاني والمعنى وفوق كل واحد عالم واحد فأولى أن يكون فوق كلهم لأن الثاني معلول الأول ولظهور المعنى عليه قدر وفوق العلماء كلهم وكلا الوجهين يناسب المقام اه .
ولعل اعتبار كون الجملة الأولى مدحا ليوسف عليه السلام وتعظيما لشأن الكيد وكون الثانية تذليلا هو الأظهر فتأمل وقد استدل بالآية من ذهب إلى أنه تعالى شأنه عالم بذاته لا بصفة علم زائدة على ذلك وحاصل استدلالهم أنه لو كان له سبحانه صفة علم زائدة على ذاته كان ذا علم لاتصافه به وكل ذي علم فوقه عليم للآية فيلزم أن يكون فوقه وأعلم منه جل وعلا عليم آخر وهو من البطلان بمكان وأجيب بأن المراد بكل ذي علم المخلوقات ذوو العلم لأن الكلام في الخلق ولأن العليم صيغة مبالغة معناه أعلم من كل ذي علم فيتعين أن يكون المراد به الله تعالى فما يقابله يلزم كونه من الخلائق لئلا يدخل فيما يقابله وكون المراد من العليم ذلك هو احدى روايتين عن الحبر فقد أخرج عبدالرزاق وجماعة عن سعيد بن جبير قال : كنا عند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فحدث بحديث فقال رجل عنده : وفوق كل ذي علم عليم فقال ابن عباس : بئسما قلت الله العليم وهو فوق كل عالم وإلى ذلك ذهب الضحاك فقد أخرج أبو الشيخ عنه أنه قال بعد أن تلا الآية يعني الله تعالى بذلك نفسه على أنه لو صح ماذكره المستدل لم يكن الله تعالى عالما بناء على أن الظاهر اتفاقه معنا في صحة قولنا فوق كل العلماء عليم وذلك أنه يلزم على تسليم دليله إذا كان الله تعالى عالما أن يكون فوقه من هو أعلم منه فأن أجاب بالتخصيص في المثال فالآية مثله .
وقرأ غير واحد من السبعة درجات من نشاء بالأضافة قيل : والقراءة الأولى أنسب بالتذييل حيث نسب فيها الرفع إلى من نسب اليه الفوقية لا إلى درجته والأمر في ذلك هين وقرأ يعقوب بالياء في يرفع و يشاء وقرأ عيسى البصرة نرفع بالنون و درجات منونا و من يشاء بالياء قال صاحب اللوامح : وهذه قراءة مرغوب عنها ولا يمكن انكارها وقرأ عبدالله الحبر وفوق كل ذي عالم عليم فخرجت كما في البحر على زيادة ذي أو على أن عالم مصدر بمعنى علم كالباطل أو على أن التقدير كل ذي شخص عالم والذي في الدر المنثور أنه رضى الله تعالى عنه قرأ وفوق كل عالم عليم بدون ذي ولعله إلا ثبت والله تعالى العليم قالوا أي الأخوة إن يسرق يعنون بنيامين فقد سرق أخ له من قبل يريدون به يوسف عليه السلام وماجرى عليه من جهة عمته فقد أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كان أول مادخل على يوسف عليه السلام من البلاء فيما بلغني أن عمته كانت تحضنه وكانت أكبر ولد إسحق عليه السلام وكانت اليها منطقة ابيها وكانوا يتوارثونها