منه ولو كانت بلاغته منتهية إلى حد الأعجاز ما طلبوها الخامس أن في كل عصر من تنتهي إليه البلاغة وذلك غير موجب للأعجاز ولا للدلالة على صدق مدعي الرسالة لجواز أن يكون هو من إنتهت إليه وقيل هو إشتماله على الأخبار بالغيب ورد أما أولا فبأن الإصابة في المرة والمرتين ليست من الخوارق والحد الذي يصير به الأخبار خارقا غير مضبوط فإذا لا يمتنع أن يقال ما أشتمل عليه القرآن لم يصل إليه وأما ثانيا فبأنه يلزم أن يكون أخبار المنجمين والكهنة عن الأموار المغيبة مع كثرة إصابتها معجزة وأما ثالثا فبأنه يلزم أن تكون التوراة كذلك لإشتمالها كإشتماله وأما رابعا فبأنه يلزم أن يكون الخالي عن الأخبار بالغيب من القرآن غير معجز وقيل هو كونه مع طوله وإمتداده غير متناقض ولا مختلف وأبطل بوجهين الأول أنا لا نسلم عدم التناقض والإختلاف فيه أما التناقض فقوله تعالى وما علمناه الشعر وما ينبغي له والبحور كلها فيه وقال تعالى : فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ثم قال وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وقال تعالى وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا فحصر المانع في أحد السببين وقال وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا فحصر المانع في غيرهما إلى غير ذلك وأما الختلاف فكقوله تعالى كالصوف المنفوش بدل كالعهن المنفوش وقوله تعالى ضربت عليهم المسكنة والذلة بدل قوله الذلة والمسكنة وقوله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم وقوله تعالى في خلق آدم مرة من تراب ومرة من حمأ ومرة من طين ومرة من صلصال على أن فيه تكرارا لفظيا ومعنويا كما في الرحمن وقصة موسى مثلا وتعرضا لإيضاح الواضحات كما في قوله تعالى فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة وقال عثمان : إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بالسنتها الثاني أنا لو سلمنا السلامة من جميع ذلك لكنه ليس بأعجاز إذ هو موجود في كثير من الخطب والشعر ويظهر كليا فيما يكون على مقدار بعض السور القصار بتقدير التحدي بها وقيل هو موافقته لقضية العقل ودقيق المعنى ورد بأنه معتاد في أكثر كلام البلغاء وينتقض أيضا بكلام الرسول الغير المعجز وبالتوراة والإنجيل وقيل إعجازه قدمه وأعترض بأنه يستدعي أن يكون كل من صفاته تعالى كذلك وايضا الكلام القديم مما لا يمكن الوقوف عليه فلا يتصور التحدي به وقال الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني والنظام : إعجازه بصرف دواعي بلغاء العرب عن معارضته وقال المرتضى بسلبهم العلوم التي لا بد منها في المعارضة وأعترض بأربعة أوجه الأول أنه يستلزم أن يكون المعجز الصرفة لا القرآن وهو خلاف ما عليه إجماع المسلمين من قبل الثاني أن التحدي وقع بالقرآن على كل العرب فلو كان الإعجاز بالصرفة لكانت على خلاف المتعاد بالنسبة إلى كل واحد ضرورة تحقق الصرفة بالنسبة إليه فيكون الإتيان بمثل كلام القرآن معتادا له والمعتاد لكل ليس هو الكلام الفصيح بل خلافه فيلزم أن يكون القرآن كذلك وليس كذلك .
الثالث أنه يستلزم أن يكون مثل القرآن معتادا من قبل لتحقق الصرفة من بعد فتجوز المعارضة بما وجد من كلامهم مثل القرآن قبلها الرابع وهو خاص بمذهب المرتضى أنه لو كان الإعجاز بفقدهم العلوم لتناطقوا به ولو تناطقوا لشاع إذ العدة جارية بالتحدث بالخوارق فحيث لم يكن دل على فساد الصرفة بهذا الإعتبار وأستدل بعضهم على فساد القول بها بقوله تعالى قل لئن أجتمعت الإنس والجن الآية فإنه يدل على عجزهم مع بقاء قدرهم ولو سلبوا القدرة لم تبق فائدة لإجتماعهم لأنه بمنزلة إجتماع الموتى وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره ولا بأس بإنضمامه إلى