رسول الله ينزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول دعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتهما في السبع الطوال .
فهذا يدل على أن الإجتهاد دخل في ترتيب السور ولهذا ذهب البيهقي إلى أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال وله أنشرح صدر الإمام السيوطي لما ضاق ذرعا عن الجواب والذي ينشرح له صدر هذا الفقير هو ما أنشرحت له صدور الجمع الغفير من أن ما بين اللوحين الآن موافق لما في الوح من القرآن وحاشا أن يهمل صلى الله تعالى عليه وسلم أمر القرآن وهو نور نبوته وبرهان شريعته فلا بد إما من التصريح بمواضع الآي والسور وإما من الرمز إليهم بذلك وإجماع الصحابة في المآل على هذا الترتيب وعدولهم عما كان أولا من بعضهم على غيره من الأساليب وهم الذين لا تلين قناتهم لباطل ولا يصدهم عن إتباع الحق لوم لائم ولا قول قائل أقوى دليل على أنهم وجدوا ما أفادهم علما ولم يدع عندهم خيالا ولا وهما وعثمان رضي الله تعالى عنه وإن لم يقف على ما يفيده القطع في براءة والأنفال وفعل ما فعل بناء على ظنه إلا أن غيره وقف وقبل ما فعله ولم يتوقف وكم لعمر رضي الله تعالى عنه موافقات لربه أدى إليها ظنه فليكن لعثمان هذه الموافقة التي ظفر غيره بتحقيقها من النصوص أو الرموز فسكت على أن ذلك كان قبل ما فعل عثمان عند التحقيق ولكن لما رفعت الأقلام وجفت الصحف وأجتمعت الكلمة في أيامه وأقتدت المسلمون في سائر الآفاق بإمامه نسب ذلك إليه وقصر من دونهم عليه والسؤال منه وجوابه ليسا قطعيين في الدلالة على الإستقلال لجواز أن يكون السؤال للإستخبار عن سر عدم المخالفة والجواب لإبدائه على ما خطر في البال وبالجملة بعد إجماع الأمة على هذا المصحف لا ينبغي أن يصاخ إلى آحاد الأخبار ولا يشرأب إلى تطلع غرائب الآثار فأفهم ذاك والله سبحانه وتعالى يتولى هداك الفائدة السابعة في بيان وجه إعجاز القرآن .
أعلم أن أعجاز القرآن مما لا مرية فيه ولا شبهة تعتريه وأرى الإستدلال هنا عليه مما لا يحتاج إليه والشبه صرير باب أو طنين ذباب وألاهم بالنسبة إلينا بيان وجه الإعجاز والكلام فيه على سبيل الإيجاز فنقول قد اختلف الناس في ذلك فذهب بعض المعتزلة إلى أن وجه إعجازه إشتماله على النظم الغريب والوزن العجيب والأسلوب المخالف لما أستنبطه البلغاء من العرب في مطالعه وفواصله ورد بوجهين ألأول أنا لا نسلم المخالفة فإن كثيرا من آياته على وزن أبيات العرب نحو قوله تعالى ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وقوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومثله كثير الثاني أنا لو سلمنا المخالفة لكن لا نسلم أنه لمجردها يكون معجزا وإلا لكانت حماقات مسيلمة إذ هي على وزنه كذلك وذهب الجاحظ إلى أنه إشتماله على البلاغة التي تتقاصر عنها سائر ضروب البلاغات ورد بوجوه الأول أنا إذا نظرنا إلى أبلغ الخطب وأجزل الشعر وقطعنا النظر عن الوزن وقسناه بقصار القرآن كان الأمر في التفاوت ملتبسا والمعجز لا بد أن ينتهي إلى حد لا يبقى معه لبس ولا ريبة الثاني إن القرآن غير خارج عن كلام العرب وما من أحد من بلغائهم إلا وقد كان مقدورا له الإتيان بقليل من مثل ذلك والقادر على البعض قادر على الكل الثالث أن الصحابة أختلفوا في البعض ولو كان منتهيا إلى الإعجاز بلاغة لعرفوه وما أختلفوا الرابع أنهم طلبوا البينة ممن أتى بشيء