ما ذكرناه وأما الإكتفاء به في الإستدلال فلا أظنك ترضاه وقال الآمدي وغيره الإعجاز بجملته وبالنظر إلى نظمه وبلاغته وإخباره عن الغيب وإرتضاه الكثير وقولهم فيما قبل لا نسلم المخالفة إلخ يجاب عنه بأن ما ذكروه وإن كان على وزن الشعر إلا أنه لا يعد شعرا ولا قائله شاعر لأن الشعر ما قصد وزنه وحيث لا قصد لا شعر وقد يعرض للبلغاء في سرد خطبهم المنجسمة مثل ذلك بل قد يتفق لمن لا يعرف الشعر رأسا من العوام كلمات متزنة نحو قول السيد لعبده مثلا أدخل السوق وأشتر اللحم وأطبخ ولهذا قال الوليد لما قرأ عليه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم القرآن فكأنما رق له فأقترح عليه أبو جهل أن يقول فيها ما يبلغ قومه أنه منكر له وكاره ماذا أقول فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده ولا باشعار الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ووالله إن لقوله الذي يقوله حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه ومغدق اسفله وإنه ليعلو ولا يعلى وإنه ليحطم ما تحته وقولهم إنا لو سلمنا إلخ مسلم لكن لا يلزم إن لا يكون مع البلاغة والأخبار بالغيب معجزا ومن هنا يعلم الجواب عن الإعتراض على أن وجه إعجازه بلاغته على أن الأوجه الخمسة التي ذكروها فيه باطلة .
أما الأول فلأن التفاوت بين لمن تحدى به من البلغاء ولذا لم يعارض وغيرهم عم عن ذلك لقصوره في الصناعة فلا إعتداد به ولا مضرة لثبوت الإعجاز بعجز اؤلئك ثم قياس أقصر سورة على ما ذكروه عدول عن سواء السبيل وأما الثاني فلأن القدرة على البعض لا تستلزم القدرة على الكل ولهذا نجد الكثير قادرا على بليغ فقرة أو فقرتين أو بيت أو بيتين ولا يقدر على وضع خطبة ولا نظم قصيدة .
وأما الثالث فلأن الصحابة لم يختلفوا فيما أختلفوا فيه أنه نازل على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من ربه أو أن بلاغته غير معجزة ولكنهم أختلفوا في أنه قرآن وذلك لا يضر فيما نحن بصدده .
وأما الرابع فلأن طلب البينة لما قدمناه في الفائدة السادسة أو للوضع والترتيب كما قيل أو لمزيد الإحتياط في الأمر الخطير وأما الخامس فلأن المعجز يظهر في كل زمان من جنس ما يغلب ويبلغ فيه الغاية القصوى ويوقف فيه على الحد المعتاد حتى إذا شوهد ما هو خارج عن الحد علم أنه من عند الله وإلا لم يتحقق عند القوم معجزة النبي ولظنوا أنهم لو كانوا من أهل تلك الصنعة أو متناهين فيها لأمكنهم أن يأتوا بمثلها والبلاغة قد بلغت في ذلك العهد حدها وكان فيها فخارهم حتى علقت السبع بباب الكعبة تحديا بمعارضتها فلما أتى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بما عجزوا عن مثله مع كثرة المنازعة والتشاجر والإفتراق علم أن ذلك من عند الله تعالى بلا ريب وإعتراضهم على كون الإخبار بالغيب معجزا مكابرة فإن الإخبار عن الغائبات مع التكرر والإصابة غير معتاد ولا معنى لكونه معجزا غير هذا وما ذكروه من الوجه باطل .
أما الأول فلأنه لا يلزم من عدم كون الإصابة في المرة والمرتين من الخوارق أن لا تكون الإصابة في الكرات الكثيرة منها والضابط العرف ولا يخفى أن ما ورد من أخبار الغيب في القرآن مما يعد في نظر أهل العرف كثيرا لا تعتاد الإصابة فيه بجملته وأما الثاني فلأن أخبار المنجمين ما كان كاذبا منها لا إحتجاج وما كان صادقا وتكررت الإصابة فيه كالكسوف والخسوف غير وارد لأنه من الحساب المعتاد لمن يتعاطى