الطعام فتجهزوا اليه واقصدوه تشتروا منه ما تحتاجون اليه فخرجوا حتى قدموا مصر فدخلوا عليه عليه السلام وهو في مجلس ولايته فعرفهم لقوة فهمه وعدم مباينة أحوالهم السابقة أحوالهم يوم المفارقة لمفارقته إياهم وهم رجال وتشابه هيآتهم وزيهم في الحالين ولكون همته معقودة بهم وبمعرفة أحوالهم لاسيما في زمن القحط ولعله عليه السلام كان مترقبا مجيئهم اليه لما يعلم من تأويل رؤياه وروى أنهم انتسبوا في الاستئذان عليه فعرفهم وأمر بانزالهم ولذلك قال الحسن : ما عرفهم حتى تعرفوا اليه وتعقب ذلك في الانتصاف بأن توسيط الفاء بين دخولهم عليه ومعرفته لهم يأبى كلام الحسن ويدل على أن مجرد دخولهم عليه استعقبه المعرفة بلا مهلة وفيه تأمل .
وهم له منكرون .
85 .
- أي والحال أنهم منكرون له لنسيانهم له بطول العهد وتباين ما بين حاليه في نفسه ومنزلته وزيه ولاعتقادهم أنه هلك وقيل : إنما لم يعرفوه لأنه عليه السلام أوقفهم موقف ذوي الحاجات بعيدا منه وكلمهم بالواسطة وقيل : إن ذلك لمحض أنه سبحانه لم يخلق العرفان في قلوبهم تحقيقا لما أخبر أنه سينبئهم بأمرهم وهم لايشعرون فكان ذلك معجزة له عليه السلام وقابل المعرفة بالانكار على ما هو الاستعمال الشائع فعن الراغب المعرفة والعرفان معرفة الشيء بتفكر في اثره فهو أخص من العلم وأصله من عرفت أي أصبت عرفه أي رائحته ويضاد المعرفة الانكار والعلم والجهل وحيث كان إنكارهم له عليه السلام أمرا مستمرا في حالتي المحضر والمغيب أخبر عنه بالجملة الاسمية بخلاف عرفانه عليه السلام إياهم .
ولما جهزهم بجهازهم أصلحهم بعدتهم وأوقر ركابئهم بما جاؤا لأجله ولعله عليه السلام إنما باع كل واحد منهم حمل بعير لما روى أنه عليه السلام كان لايبيع أحدا من الممتارين أكثر من ذلك تقسيطا بين الناس وفيما يأتي أن شاء الله تعالى من قولهم : ونزداد كيل بعير ما يؤيده وأصل الجهاز ما يحتاج اليه المسافر من زاد ومتاع وجهاز العروس ماتزف به إلى زوجها والميت ما يحتاج اليه في دفنه وقرئ بكسر الجيم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ولم يقل بأخيكم مبالغة في اظهار عدم معرفته لهم كأنه لايدري من هو ولو أضافه اقتضى معرفته لاشعار الاضافة به ومن هنا قالوا في أرسل غلاما لك : الغلام غير معروف وفي أرسل غلامك معروف بينك وبين مخاطبك عهد فيه ولعله عليه السلام إنما قال ذلك لما قيل : من أنهم سألوه حملا زائدا على المعتاد لبنيامين فأعطاهم ذلك وشرط عليهم أن يأتوه به مظهرا لهم أنه يريد أن يعلم صدقهم وقيل : انهم لما رأوه فكلموه بالعبرية قال لهم : من أنتم فاني أنكركم فقالوا : نحن قوم من أهل الشام رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال : لعلكم جئتم عيونا تنظرون عورة بلادي قالوا : معاذ الله نحن أخوة بنو أب واحد وهو شيخ صديق نبي من الانبياء اسمه يعقوب قال : كم أنتم قالوا : كنا اثني عشر فهلك منا واحد فقال : كم أنتم ههنا قالوا : عشرة قال : فأين الحادي عشر قالوا : هو عند أبيه يتسلى به عن الهالك قال : فمن يشهد لكم انكم لستم عيونا وان ما تقولون حق قالوا : نحن ببلاد لايعرفنا فيها أحد فيشهد لنا قال : فدعوا بعضكم عندي رهينة وائتوني بأخيكم من أبيكم وهو يحمل رسالة من أبيكم حتى أصدقكم فاقترعوا فأصاب القرعة شمعون وقيل : إنه عليه السلام هو الذي اختاه لأنه كان أحسنهم رأيا فيه والمشهور ان الاحسن يهوذا فخلفوه عنده ومن هذا يعلم سبب هذا القول وتعقب بأنه لا يساعده ورود الامر بالاتيان به