فيه للملابسة وجعل في تعقيب الجملة المثبتة بالجملة المنفية اشعار بأن مدار المشيئة المذكورة احسان من تصيبه الرحمة المذكورة وفي ذكر الجملة الثالثة المؤكدة بعد دفع توهم انحصار ثمرات الاحسان فيما ذكر من الاجر العاجل ويفهم من ذلك أن المراد ممن نشاء من نشاء أن نصيبه بالرحمة من عبادنا الذين آمنوا واستمروا على التقوى وتعقب بأنه خلاف الظاهر ولعل الظاهر حمل من على ماهو أعم مما ذكروا حينئذ لايبعد أن يراد بالرحمة النعمة التي لاتكون في مقابلة شيء من الاعمال وبالاجر ما كان في مقابلة شيء من ذلك يبقى أمر وضع الموصول موضع الضمير على حاله كأنه قيل : نتفضل على من نشاء من عبادنا كيف كانوا وننعم عليهم بالملك والغنى وغيرهما لا في مقابلة شيء ونوفى أجور المؤمنين المستمرين على التقوى منهم ونعطيهم في الدنيا ما نعطيهم في مقابلة ايمانهم واستمرارهم على التقوى وما نعطيهم في مقابلة ذلك في الآخرة من النعيم العظيم المقيم خير لهم مما نعطيهم في الدنيا لعظمه ودوامه .
واعترض بأن فيه إطلاق الرحمة على ما يصيب الكافر من نحو الملك والغنى مع أنه ليس برحمة كما يشعر به كثير من الآيات ويقتضيه قولهم : ليس لله تعالى نعمة على كافر وأجيب بأن قولهم : في الرحمن أنه الذي يرحم المؤمن والكافر في الدنيا ظاهر في صحة إطلاق الرحمة على ما يصيب الكافر من ذلك وكذا قوله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ظاهر في صحة القول بكون الكافر مرحوما في الجملة وأمر الاشعار سهل وقولهم : ليس لله تعالى نعمة على كافر إنما قاله البعض بناءا على أخذ يحمد عاقبتها في تعريفها وإن أبيت ولاأظن فلم لايجوز أن يقال : إنه عبر عما ذكر بالرحمة رعاية لجانب من اندرج في عموم من من المؤمنين .
نعم يرد على تفسير الرحمة هنا بالنعمة التي لاتكون في مقابلة شيء من الاعمال والاجر بما كان ما روى عن سفيان ابن عيينة أنه قال : المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا والآخرة والفاجر يعجل له الخير في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق وتلا الآية فانه ظاهر في أن ما يصيب الكافر مما تقدم في مقابلة عمل له وأن في الآية ما يدل على ذلك وليس هو الا نصيب برحمتنا من نشاء وقد يجاب بأنه لعله حمل المحسنين على ما يشمل الكفار الفاعلين لما يحسن كصلة الرحم ونصرة المظلوم وإطعام الفقير ونحو ذلك فحصر الدلالة فيما ذكر ممنوع نعم إن هذا الأثر يعكر على التفسير السابق عكرا بينا إذا الآية عليه لاتعرض فيها للكافر أصلا فلا معنى لتلاوتها إثر ذلك الكلام .
وعمم بعضهم الأوقات في نصيب ولا نضيع فقال نصيب في الدنيا والآخرة ولا نضيع أجر المحسنين بل نوفي أجورهم عاجلا وآجلا وأيد بأنه لا موجب للتخصيص وأن خبر سفيان يدل على العموم وتعقب بأن من خص ذلك بالدنيا فانما خصه ليكون مابعده تأسيسا وبأنه لادلالة للخبر على ذلك لأنه ماخوذ من مجموع الآية وفيه ما فيه وعن ابن عباس تفسير المحسنين بالصابرين ولعله رضي الله تعالى عنه على تقدير صحة الرواية رأي ذلك أوفق بالمقام وأيا ما كان في الآية إشارة أن ما أعد الله تعالى ليوسف عليه السلام من الأجر والثواب في الآخرة أفضل مما أعطاه في الدنيا من الملك .
وجاء إخوة يوسف ممتارين لما أصاب أرض كنعان وبلاد الشام ما أصاب مصر وقد كان حل بآل يعقوب عليه السلام ما آل بأهلها فدعا أبناءه ما عدا بنيامين فقال لهم : يابني بلغني أن بمصر ملكا صالحا يبيع