ووضع عليه الفرش وضرب عليه حلة من استبرق فقال عليه السلام : أما السرير فأشد به ملكك وأما الخاتم فأدبر به أمرك وأما التاج فليس من لباسي ولا لباس آبائي فقال : قد وضعته إجلالا لك واقرارا بفضلك فجلس على السرير ودانت له الملوك وفوض اليه الملك أمره وأقام العدل بمصر وأحبته الرجال والنساء وباع من أهل مصر في سني القحط الطعام في السنة الاولى بالدراهم والدنانير حتى لم يبق منها شيء وفي الثانية بالحلي والجواهر وفي الثالثة بالدواب والمواشي وفي الرابعة بالعبيد والجواري وفي الخامسة بالضياع والعقار وفي السادسة بالاولاد وفي السابعة بالرقاب حتى استرقهم جميعا وكان ذلك مما يصح في شرعهم فقالوا : ما رأينا كاليوم ملكا أجل وأعظم منه فقال للملك : كيف رأيت صنع الله تعالى فيما خولني فما ترى في هؤلاء فقال الملك : الرأي رأيك ونحن لك تبع فقال : اني أشهد الله تعالى وأشهدك أني قد أعتقتهم ورددت اليهم أملاكهم .
ولعل الحكمة في ذلك اظهار قدرته وكرمه وانقيادهم بعد ذلك لأمره حتى يخلص ايمانهم ويتبعوه فيما يأمرهم به فلا يقال : ما الفائدة في تحصيل ذلك المال العظيم ثم اضاعته وكان عليه السلام في تلك المدة فيما يروى لايشبع من الطعام فقيل له : أتجوع وخزائن الأرض بيدك فقال : أخاف إن شبعت أنسى الجائع وأمر عليه السلام طباخي الملك أن يجعلوا غذاءه نصف النهار وأراد بذلك أن يذوق طعم الجوع قلا ينسى الجياع قيل : ومن ثم جعل الملوك غذاءهم نصف النهار وقد أشار سبحانه الى ما آتاه من الملك العظيم بقوله جل وعلا : وكذلك أي مثل التمكين البديع مكنا ليوسف أي جعلنا له مكانا في الأرض أي أرض مصر روى أنها كانت أربعين فرسخا في أربعين وفي التعبير عن الجعل المذكور بالتمكين في الارض مسندا الى ضميره تعالى من تشريفه عليه السلام والمبالغة في كمال ولايته والاشارة الى حصول ذلك من أول الامر لا أنه حصل بعد السؤال ما لايخفى واللام في ليوسف على ما زعم أبو البقاء يجوز أن تكون زائدة أي مكنا يوسف وأن لاتكون كذلك والمفعول محذوف أي مكنا له الامور وقد مر لك ما يتضح منه الحق يتبوء منها ينزل من قطعها وبلادها حيث يشاء ظرف ليتبوأ وجوز أن يكون مفعولا به كما في قوله تعالى : الله أعلم حيث يجعل رسالته و منها متعلق بما عنده وقيل : بمحذوف وقع حالا من حيث وتعقب بأن حيث لايتم الا بالمضاف اليه وتقديم الحال على المضاف اليه لايجوز والجملة في موضع الحال من يوسف وضمير يشاء له وجوز أن يكون لله تعالى ففيه التفات ويؤيده أنه قرأ ابن كثير والحسن وبخلاف عنهم أبو جعفر وشيبة ونافع نشاء بالنون فان الضمير على ذلك لله تعالى قطعا نصيب برحمتنا بنعمتنا وعطائنا في الدنيا من الملك والغنى وغيرهما من النعم وقيل : المراد بالرحمة النبوة وليس بذاك من نشاء بمقتضى الحكمة الداعية للمشيئة ولا نضيع أجر المحسنين 65 بل نوفى لهم أجورهم في الدنيا لاحسانهم والمراد به على ما قيل : الايمان والثبات على التقوى فان قوله سبحانه : ولأجر الآخرة خير للذين ءامنوا وكانوا يتقون .
75 .
- قد وضع فيه الموصول موضع ضمير المحسنين وجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل تنبيها على ذلك والمعنى ولأجرهم في الآخرة خير والاضافة