ولعل الدعاء بالمغفرة في الخبر السالف على هذا إشارة إلى ماذكر ويقال : إنه عليه السلام إنما لم يعاتب عليه كما عوتب على الأول لكونه دونه مع أنه قد بلغ السيل الزبى ولا يخفى أن عوده عليه السلام لما يستدعي أدنى عتاب بالنسبة إلى منصبه بعد أن جرى ما جرى في غاية البعد ومن هنا قيل : الأولى أن يجعل ما تقدم كما تقدم ويحمل هذا على أنه عليه السلام أراد به تمهيد أمر الدعوة الى الله تعالى جبرا لما فعل قبل واتباعا لخلاف الأولى بالنظر إلى مقامه بالأولى وقيل : في وجه التعليل غير ذلك وأخرج ابن جرير عن ابن جريج أن هذا من تقديم القرآن وتأخيره وذهب إلى أنه متصل بقوله : فاسئله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن الخ ويرد على ظاهره ما لايخفى فتأمل جميع ماذكرناه لتكون على بصيرة من أمرك وفي رواية البزي عن ابن كثير وقالون عن نافع أنهما قرآ بالسو على قلب الهمزة واوا والادغام وقال الملك ائتوني به أستخلصه أجعله خالصا لنفسي وخاصا بي فلما كلمه في الكلام إيجاز أي فأتوا به فلما الخ وحذف ذلك للايذان بسرعة الاتيان فكأنه لم يكن بينه وبين الأمر باحضاره عليه السلام والخطاب معه زمان أصلا ولم يكن حاضرا مع النسوة في المجلس كما زعمه بعض وجعل المراد من هذا الأمر قربوه إلي والضمير المستكن في كلمه ليوسف عليه السلام والبارز للملك أي فلما كلم يوسف عليه السلام الملك اثر ماأتاه فاستنطقه ورأى حسن منطقه بما صدق الخبر الخبر واستظهر في البحر كون الضمير الأول للملك والثاني ليوسف أي فلما كلمه الملك ورأى حسن جوابه ومحاورته قال إنك اليوم لدينا مكين ذو مكانة ومنزلة رفيعة أمين .
45 .
- مؤتمن على كل شيء وقيل : آمن من كل مكروه والوصف بالامانة هو الابلغ في الاكرام و اليوم ليس بمعيار للمكانة والأمانة بل هو آن التكلم والمراد تحديد مبدئهما احترازا عن كونهما بعد حين وفي اختيار لدي على عند ما لايخفى من الاعتناء بشأنه عليه السلام وكذا في اسمية الجملة وتأكيدها روى أن الرسول جاءه فقال له : أجب الملك الآن بلا معاودة وألق عنك ثياب السجن واغتسل والبس ثيابا جددا ففعل فلما قام ليخرج دعا لأهل السجن اللهم عطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الاخبار فهم أعلم الناس بالأخبار في كل بلد ثم خرج فكتب على الباب هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وشماتة الأعداء وتجربة الأصدقاء فلما وصل إلى باب الملك قال : حسبي ربي من دنياي وحسبي ربي من خلقه عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك فلما دخل على الملك قال : اللهم إني أسألك بخيرك من خيره وأعوذ بك من شره وشر غيره ثم سلم عليه بالعربية فقال له الملك : ماهذا اللسان فقال : لسان عمي اسمعيل ثم دعاله بالعبرانية فقال له : وما هذا اللسان أيضا فقال : هذا لسان آبائي وكان الملك يعرف سبعين لسانا فكلمه بها فأجابه بجميعها فتعجب منه وقال : أيها الصديق إني أحب أن أسمع رؤياي منك فحكاها عليه السلام له طبق ما رأى لم يخرج منها حرفا فقال الملك : أعجب من تأويلك إياها معرفتك لها فأجلسه معه على السرير وفوض إليه أمره وقيل : إنه أجلسه قبل أن يقص الرؤيا وأخرج ابن جرير عن ابن اسحق قال : ذكروا أن قطفير هلك 1 في تلك الليالي وأن الملك زوج 2 يوسف أمرأته راعيل فقال لها حين ادخلت عليه : أليس هذا خيرا مما كنت تريدين فقالت : أيها الصديق لاتلمني فاني كنت أمرأة