إذا كانت بمعنى تهيأت لا تكون إسم فعل بل تكون فعلا مسندا إلى ضمير المتكلم بل لأنه لما بينت التهيؤ بأنه له لزم كونها هي المتهيأة كما إذا قيل لك : قربني منك فقلت هيهات فإنه يدل على معنى بعدت بالقرينة .
وقرأ ابن كثير وأهل مكة هيت بفتح الهاء وسكون الياء وضم التاء تشبيها له بحيث .
وقرأ أبو الأسود وابن أبي إسحاق وابن محيصن وعيسى البصرة وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هيت بفتح الهاء وسكون الياء وكسر التاء تشبيها له بجير والكلام فيها على هاتين القرائتين كالكلام فيها على القراءة السابقة .
وقرأ نافع وابن عامر وابن ذكوان والأعرج وشيبة وأبو جعفر هيت بكسر الهاء بعدها ياء ساكنة وتاء مفتوحة وحكى الحلواني عن هشام أنه قرأ كذلك إلا أنه همز وتعقب ذلك الداني تبعا لأبي علي الفارسي في الحجة وقد تبعه أيضا جماعة بأن فتح التاء فيما ذكر وهم من الراوي لأن الفعل حينئذ من التهيؤ ويوسف عليه السلام لم يتهيأ لها بدليل وراودته إلخ فلا بد من ضم التاء ورد ذلك صاحب النشر بأن المعنى على ذلك تهيأ لي أمرك لأنها لم يتيسر لها الخلوة به قبل أو حسنت هيئتك و لك على المعنيين للبيان والرواية عن هشام صحيحة جاءت من عدة طرق وروي عنه أيضا أنه قرأ بكسر الهاء والهمز وضم التاء وهي رواية أيضا عن ابن عباس وابن عامر وأب عمرو أيضا وقرأ كذلك أبو رجاء وأبو وائل وعكرمة ومجاهد وقتادة وطلحة وآخرون .
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما وابن أبي إسحاق كذلك إلا أنهما سهلا الهمزة وذكر النحاس أنه قريء بكسر الهاء بعدها ياء ساكنة وكسر التاء وقريء أيضا هيا بكسر الهاء وفتحها وتشديد الياء وهي على ما قال ابن هشام : لغة في هيت وقال بعضهم : إن القراآت كلها لغات وهي فيها إسم فعل بمعنى هلم وليست التاء ضميرا وقال آخر : إنها لغات والكلمة عليها إسم فعل إلى على قراءة ضم التاء مع الهمز وتركه فإن الكلمة عليها تحتمل أن تكون فعلا رافعا لضمير المتكلم من هاء الرجل يهيء كجاء يجيء إذا حسنت هيئته أو بمعنى تهيأت يقال : هئت وتهيأت بمعنى وإذا كانت فعلا تعلقت اللام بها ونقل عن ابن عباس أيضا أنه قرأ هييت مثل حببت وهي في ذلك فعل مبني للمفعول مسهل الهمز من هيأت الشيء كأن أحدا هيأها له عليه السلام قال معاذ الله نصب على المصدر يقال : عذت عوذا وعياذا وعياذة ومعاذا أي أعوذ بالله D معاذا مما تريدين مني وهذا إجتناب منه عليه السلام على أتم الوجوه وإشارة إلى التعليل بأنه منكر هائل يجب أن يعاذ بالله جل وعلا للخلاص منه وما ذلك إلا لأنه قد علم بما أراه الله تعالى ما هو عليه في حد ذاته من غاية القبح ونهاية السوء وقوله تعالى : إنه ربي أحسن مثواي تعليل ببعض الأسباب الخارجة مما عسى يكون مؤثرا عندها وداعيا لها إلى إعتباره بعد التنبيه على سببه الذاتي التي لا تكاد تقبله لما سولته لها نفسها والضمير للشأن وفي تصدير الجملة به من الإيذان بفخامة مضمونها ما فيه مع زيادة تقريره في الذهن أي إن الشأن الخطير هذا أي هو ربي أي سيدي العزيز أحسن تعهدي حيث أمرك بإكرامي على أكمل وجه فكيف يمكن أن أسيء إليه بالخيانة في حرمه ! وفيه إرشاد لها إلى رعاية حق العزيز بألطف وجه وإلى هذا المعنى ذهب تعالى : عن نفسه كما تقول : جاذبته عن كذا دلالة على الإبعاد وتحصيل الجذب البالغ ولهذا قال في الأساس ومن المجاز راوده عن نفسه خادعه عنها .
وقال الزمخشري هنا : أي فعلت ما يفعل المخادع بصاحبه عن الشيء الذي لا يريد أن يخرجه من يده ولا شك أن هذا إنما يحصل من المنازعة في الورد ولهذه النكتة جعل كناية عن التمحل لموافقته إياها والعدول عن التصريح باسمها للمحافظة على الستر ما أمكن أو للإستجهان بذكره وإيراد الموصول دون إمرأة العزيز مع أنه أخصر وأظهر لتقرير المراودة فإن كونه في بيتها مما يدعو إلى ذلك ولإظهار كمال نزاهته عليه السلام فإن عدم ميله إليها مع دوام مشاهدته لمحاسنها واستعصائه عليها مع كونه تحت يدها ينادي بكونه عليه السلام في أعلى معارج العفة وإضافة البيت إلى ضميرها لما أن العرب تضيف البيوت إلى النساء بإعتبار أنهن القائمات بمصالحه أو الملازمات له وخرج على ذلك قوله تعالى : وقرن في بيوتكن وكثر في كلامهم صاحبة البيت وربة البيت للمرأة ومن ذلك .
يا ربة البيت قومي غير صاغرة .
وغلقت الأبواب أي أبواب البيت وتشديد الفعل للتكثير في المفعول إن قلنا : إن الأبواب كانت سبعة كما قيل فإن لم نقل به فهو لتكثير الفعل فكأنه غلق مرة أو بمغلاق بعد مغلاق وجمع الأبواب حينئذ إما لجعل كل جزء منه كأنه باب أو لجعل تعدد إغلاقه بمنزلة تعدده وزعم بعضهم أنه لم يغلق إلا بابان : باب الدار وباب الحجرة التي هما فيها .
وادعى بعض المتأخرين أن التشديد للتعدية وأن كونه للتكثير وهم معللا ذلك بأن غلقت الأبواب غلقا لغة رديئة متروكة حسبما ذكره الجوهري ورد بأن إفادة التعدية لا تنافي إفادة التكثير معها فإن مجرد التعدية يحصل بباب الأفعال فإختيار التفعيل عليه لأحد الأمرين ولذا قال الجوهري أيضا : وغلقت الأبواب شدد للتكثير أه .
وفي الحواشي أنه لم يتنبه المراد لأن ما نقله عليه لا له لأن الرديء الذي ذكره اللغويون إنما هو إستعمال الثلاثي منه لا أن له ثلاثيا لازما حتى يتعين كون التفعيل للتعدية فتعديه لازم في الثلاثي وغيره سواء كان رديئا أو فصيحا فتعين أنه للتكثير وقد قال بذلك غير واحد فالواهم ابن أخت خالة الموهم فافهم .
وقالت هيت لك أي أسرع فهي إسم فعل أمر مبني على الفتح كأين وفسرها الكسائي والفراء بتعال وزعما أنها كلمة حورانية وقعت إلى أهل الحجاز فتكلموا بها وقال أبو زيد : هي عبرانية وعن ابن عباس والحسن هي سريانية وقال السدي : هي قبطية .
وقال مجاهد وغيره هي عربية تدعوه إلى نفسها وهي كلمة حث وإقبال واللام للتبيين كالتي في سقيالك فهي متعلقة بمحذوف أي إرادتي كائنة لك أو أقول لك وجوز كونها إسم فعل خبري كهيهات واللام متعلقة بها والمعنى تهيأت لك وجعلها بعضهم على هذا للتبيين متعلقة بمحذوف أيضا لأن إسم الفعل لا يتعلق به الجار والتاء مطلقا من بنية الكلمة وليس تفسيرها بتهيأت لكون الدال على التكلم التاء ليرد أنها