وابن أبي إسحاق وتعقب بأن فيه إطلاق الرب على غيره تعالى فإن أريد به الرب بمعنى الخالق فهو باطل لأنه لا يمكن أن يطلق نبي كريم على مخلوق ذلك وإذا أريد به السيد فهو عليه السلام في الحقيقة مملوك له ومن هنا وإن كان فيما ذكر نظر ظاهر إختار في البحر أن الضمير لله تعالى و ربي خبر إن و أحسن مثواي خبر ثان أو هو الخبر والأول بدل من الضمير أي إنه تعالى خالقي أحسن مثواي بعطف قلب من أمرك بإكرامي علي فكيف أعصيه بإرتكاب تلك الفاحشة الكبيرة ! وفيه تحذير لها عن عقاب الله تعالى وجوز على تقدير أن يكون الرب بمعنى الخالق كون الضمير للشأن أيضا وأيا كان ففي الإقتصار على ما ذكر هذه الحالة من غير تعرض لإقتضائها الإمتناع عما دعته إليه إيذان بأن هذه المرتبة من البيان كافية في الدلالة على إستحالته وكونه مما لا يدخل تحت الوقوع أصلا وقوله تعالى : إنه لا يفلح الظالمون .
23 .
- تعليل غب تعليل للإمتناع المذكور والفلاح الظفر وإدراك البغية وذلك ضربان : دنيوي وأخروي فالأول الظفر بالسعادات التي تطيب بها حياة الدنيا وهو البقاء والغنى والعز والثاني أربعة أشياء : بقاء بلا فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل ولذلك قيل : لا عيش إلا عيش الآخرة ومعنى أفلح دخل في الفلاح كأصبح وأخواته ولعل المراد هنا الفلاح الأخروي وبالظالمين كل من ظلم كائنا من كان فيدخل في ذلك المجازون للإحسان بالإساءة والعصاة لأمر الله تعالى دخولا أوليا وقيل : الزناة لأنهم ظالمون لأنفسهم وللمزني بأهله وقيل : الخائنون لأنهم ظالمون لأنفسهم أيضا ولمن خانوه ولقد همت به أي بمخالطته إذا لهم سواء إستعمل بمعنى القصد والإرادة مطلقا أو بمعنى القصد الجازم والعقد الثابت كما هو المراد ههنا لا يتعلق بالأعيان .
والمعنى أنها قصدت المخالطة وعزمت عليها عزما جازما لا يلويها عنه صارف بعد ما باشرت مباديها وفعلت ما فعلت مما قص الله تعالى ولعلها تصدت هنالك لأفعال أخر من بسط يدها إليه وقصد المعانقة وغير ذلك مما إضطره عليه السلام إلى الهرب نحو الباب والتأكيد لدفع ما عسى يتوهم من إحتمال إقلاعها عما كانت عليه بما في مقالته عليه السلام من الزواجر وهم بها أي مال إلى مخالطتها بمقتضى الطبيعة البشرية كميل الصائم في اليوم الحار إلى الماء البارد ومثل ذلك لا يكاد يدخل تحت التكليف لا أنه عليه السلام قصدها قصدا إختياريا لأن ذلك أمر مذموم تنادي الآيات على عدم إتصافه عليه السلام به وإنما عبر عنه بالهم لمجرد وقوعه في صحبة همها في الذكر بطريق المشاكلة لا لشبهه به كما قيل وقد أشير إلى تغايرهما كما قال غير واحد : حيث لم يلزا في قرن واحد من التعبير بأن قيل : ولقد هما بالمخالطة أو هم كل منهما بالآخر وأكد الأول دون الثاني .
لولا أن رأى برهان ربه أي حجته الباهرة الدالة على كمال قبح الزنا وسوء سبيله والمراد برؤيته لها كمال إيقانه بها ومشاهدته لها مشاهدة واصلة إلى مرتبة عين اليقين وقيل : المراد برؤية البرهان حصول الأخلاق وتذكير الأحوال الرادعة عن الإقدام على المنكر وقيل : رؤية ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا مكتوبا في السقف وجواب لولا محذوف يدل عليه الكلام أي لولا مشاهدته البرهان لجرى على موجب ميله الجبلي لكنه حيث كان مشاهدا له إستمر على ما هو عليه من قضة البرهان هذا ما ذهب إليه بعض المحققين في معنى الآية وهو قول بإثبات هم له عليه السلام إلا أنه هم عير مذموهم .
وفي البحر أنه لم يقع منه عليه السلام هم بها ألبتة بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول : قارفت الذنب