إلا أن الذئب أكل يوسف ولم يقصدوا بذلك تعريضا فما قيل : إنهم عرضوا وأرادوا أكل الذئب المتاع لا يلتفت إليه لما فيه من الخروج عن الجادة من غير موجب ومآ أنت بمؤمن لنا أي ما أنت مصدق لنا في هذه المقالة ولو كنا عندك وفي إعتقادك صادقين .
17 .
- أي موصوفين بالصدق والثقة لفرط محبتك فكيف وأنت سيء الظن بنا غير واثق يقولنا قيل : ولا بد من هذا التأويل إذ لو كان المعنى ولو كنا صادقين في نفس الأمر لكان تقديره فكيف إذا كنا كاذبين فيه فيلزم إعترافهم بكذبهم فيه وقد تقدم أن المراد في مثل ذلك تحقيق الحكم السابق على كل حال فكأنه قيل هنا : وما أنت بمؤمن لنا في حال من الأحوال فتذكر وتأمل .
وجآءوا على قميصه بدم كذب أي ذي كذب أو وصف بالمصدر مبالغة كأنه نفس الكذب وعينه كما يقال للكذاب : هو الكذب بعينه والزور بذاته ومن ذلك ما في قوله : أفيضوا على عزابكم من بناتكم فما في كتاب الله أن يحرم الفضل وفيهن فضل قد عرفنا مكانه فهن به جود وأنتم به بخل وبعضهم يؤول كذب بمكذوب فيه فإن المصدر قد يؤول بمثل ذلك وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما كذبا بالنصب وخرج على أنه في موضع الحال من فاعل جاءوا بتأويل كاذبين وقيل : من دم على تأويل مكذوبا فيه وفيه أن الحال من النكرة على خلاف القياس وجوز أن يكون مفعولا من أجله أي جاءوا بذلك لأجل الكذب وقرأت عائشة رضي الله تعالى عنها والحسن كدب بالدال المهملة وليس من قلب الذال دالا بل هو لغة أخرى بمعنى كدر أو طري أو يابس فهو من الإضداد وقال صاحب اللوامح : المعنى ذي كدب أي أثر لأن الكدب بياض يخرج في أظافير الشبان ويؤثر فيها فهو كالنقش ويسمى ذلك الفوغ ولم يعتبر بعض المحققين تقدير المضاف وجعل ذلك من التشبيه البليغ أو الإستعارة فإن الدم في القميص يشبه الكدب من جهة مخالفة لونه لون ما هو فيه وقوله سبحانه : على قميصه على ما ذهب إليه أبو البقاء حال من دم وفي جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف غير الزائد خلاف والحق كما قال السفاقسي : الجواز لكثرة ذلك في كلامهم وفي اللباب ولا تتقدم على صاحبها المجرور على الأصح نحو مررت جالسة بهند إلا أن يكون الحال ظرفا على أن الحق ما اختاره ابن مالك من جواز التقديم مطلقا وقال الزمخشري ومن تبعه : إنه في موضع النصب على الظرفية أي جاءوا فوق قميصه كما تقول : جاء على جماله بأحمال وأراد على ما في الكشف أن على على حقيقة الإستعلاء وهو ظرف لغو ومنع في البحر كون العامل فيه المجيء لأنه يقتضي أن الفوقية ظرف للجائين وأجيب بأن الظرفية ليست باعتبار الفاعل بل باعتبار المفعول .
وفي بعض الحواشي أن الأولى أن يقال : جاءوا مستولين على قميصه وقوله سبحانه : بدم حال من القميص وجعل المعنى إستولوا على القميص ملتبسا بدم جائين وهو على ما قيل : أولى من جاءوا مستولين لما تقرر في التضمين والأمر في ذلك سهل فإن جعل المضمن أصلا والمذكور حالا وبالعكس كلا منهما جائز وإذا إقتضى المقام أحدهما رجح واستظهر كونه ظرفا للمجيء المتعدي والمعنى أتوا بدم كذب فوق قميصه ولا يخفى إستقامته هذا ثم إن ذلك الدم سخلة ذبحوها ولطخوا بدمها القميص كما روي عن ابن عباس ومجاهد .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة أنهم أخذوا ظبيا فذبحوه فلطخوا بدمه القميص ولما جاءوا