زوال الشمس إلى الصباح وعنه أنه قريء عشي بالضم والقصر كدجي فنصبه على الحال وهو جمع أعشى عند بعض وعاش عند آخرين وأصله عشاة كماش ومشاة فحذفت الهاء تخفيفا وأورد عليهما بأنه لا جواز لمثل هذا الحذف وأنه لا يجمع أفعل فعلاء على فعل بضم الفاء وفتح العين بل فعل بسكون العين ولذا قيل : كان أصله عشوا فنقلت حركة الواو إلى ما قبلها لكونه حرفا صحيحا ساكنا ثم حذفت بعد قلبها ألفا لإلتقاء الساكنين وإن قدر ما بكوا به في ذلك اليوم لا يعشو منه الإنسان وأجيب عن هذا بأن المقصود المبالغة في شدة البكاء والنحيب لا حقيقته أي كاد يضعف بصرهم لكثرة البكاء وقيل : هو جمع عشوة مثلث العين وهي ركوب أمر على غير بصيرة يقال : أوظأة عشوة أي أمرا ملتبسا يوقعه في حيرة وبلية فيكون تأكيدا لكذبهم وهو تمييز أو مفعول له وجوز أن يكون جمع عشوة بالضم بمعنى شعلة النار عبارة عن سرعتهم لإبتهاجهم بما فعلوا من العظيمة وافتعلوا من العظيهة وجوز أن يكون عشاءا أي في قراءة الجمهور جمع عاش مثل راع ورعاء ويكون نصبه على الحال والظاهر الأول وإنما جاءوا عشاء إما لأنها لا يصلوا من مكانهم إلا في ذلك الوقت وإما ليكونوا أقدر على الإعتذار لمكان الظلمة التي يرتفع فيها الحيباء ولذا قيل : لا تطلب الحاجة بالليل فإن الحياء في العينين ولا تعتذروا في النهار من ذنب فتلجلج في الإعتذار وهل جاءوا في عشاء اليوم الذي ذهبو فيه أو في عشاء يوم آخر ظاهر كلان بعضهم الأول وذهب بعضهم إلى الثاني بناءا على ما روي أنه عليه السلام مكث في الجب ثلاثة أيام وكان إخوته يرعون حواليه وكان يهوذا يأتيه بالطعام .
وفي الكلام على ما في البحر حذف والتقدير وجاءوا أباهم دون يوسف عشاءا يبكون .
16 .
- أي متباكين أي مظهرين البكاء بتكلف لأنه لم يكن عن حزن لكنه يشبهه وكثيرا ما يفعل بعض الكذابين كذلك أخرج ابن المنذر عن الشعبي قال : جاءت إمرأة إلى شريح تخاصم في شيء فجعلت تبكي فقالوا : يا أبا أمية أما تراها تبكي ! فقال : قد جاء إخوة يوسف أباهم عشاءا يبكون وقال الأعمش : لا يصدق أباك بعد إخوة يوسف وفي بعض الآثار أن يعقوب عليه السلام لما سمع بكاءهم قال : ما بالكم أجري في الغم شيء قالوا : لا قال : فما أصابكم وأين يوسف قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق أي متسابقين في العدو على الأقدام على ما روي عن السدي أو في الرمي بالسهام كما قال الزجاج أو في أعمال نتوزعها من سقي ورعي واحتطاب أو في الصيد وأخذه كما قيل ورجح ما قاله الزجاج بقراءة عبدالله إنا ذهبنا ننتضل وأورد على الأول أنه كيف ساغ لهم الإستباق في العدو وهو من أفعال الصبيان التي لا ثمرة فيها وأجيب بالمنع وثمرته التدريب في العدو لمحاربة العدو ومدافعة الذئب مثلا وبالجملة نستبق بمعنى نتسابق وقد يشترك الإفتعال والتفاعل فيكونان بمعنى كالإنتضال والتناضل ونظائرهما وتركنا يوسف عند متاعنا أي ما يتمتع به من الثياب والأزواد وغيرهما فأكلة الذئب عقيب ذلك من غير مضي زمان يعتاد فيه التفقد والتعهد وحيث لا يكاد يطرح المتاع عادة إلا في مقام يؤمن فيه من الغوائل لم يعد تركه عليه السلام عنده من باب الغفلة وترك الحفظ الملتزم لا سيما إذ لم يغيبوا عنه فكأنهم قالوا : إنا لم نقصر في محافظته ولم نغفل عن مراقبته بل تركناه في مأمنا ومجمعا بمرأى منا وما فارقناه إلا ساعة يسيرة بيننا وبينه مسافة قصيرة فكان ما كان قاله شيخ الإسلام والظاهر أنهم لم يريدوا