إنه يمكن دفع الإشكال من غير حاجة إلى تقدير المضاف بأن يقال : إن الذهاب يحزنه باعتبار تصوره كما قيل نظيره في العلة الغائية وقال شهاب : ذلك التحقيق أظن ما قالوه في توجيه الإشكال مغلطة لا أصل لها فإن لزوم كون الفاعل موجودا عند وجود الفعل إنما هو الفاعل الحقيقي لا النحوي واللغوي فإن الفعل قد يكون قبله سواء كان حالا كما فيما نحن فيه أو ماضيا كما أنه يصح أن يكون الفاعل في مثله أمرا معدوما كما في قوله : ومن سره أن لا يرى ما يسوءه فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا ولم يقل أحد في مثله إنه محتاج إلى التأويل فإن الحزن والغم كالسرور والفرح يكون بالشيء قبل وقوعه كما صرح به ابن هلال في فروقه ولا حاجة إلى تأويل أو تقدير أو تنزيل للوجود الذهني منزلة الخارجي على القول به أو الإكتفاء به فإنه مثله لا يعرفه أهل العربية أو اللسان فإن أبيت إلا اللجاج فيه فليكن من التجوز في النسبة إلى ما يستقبل لكونه سببا للحزن الآن أه .
وأنت تعلم أنهم صرحوا بأن فعل الفاعل الإصلاحي إما قائم به أو واقع منه وقيام الشيء بما لم يوجد بعد ووقوعه منه غير معقول وحينئذ فالتأويل بما يصح القيام أو الوقوع في فاقد ذلك بحسب الظاهر واجب كذا قيل فتدبر وقرأ ابن هرمز وابن محيصن ليحزني بالإدغام وبذلك قرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما وقرأ أيضا تذهبوا به من أذهب رباعيا ويخرج كما قال أبو حيان على زيادة الباء في به كما خرج بعضهم تنبت بالدهن في قراءة من ضم التاء وكسر الباء الموحدة على ذلك أي ليحزني أن تذهبوه .
وأخاف أن يأكله الذئب هو حيوان معروف وخصه بالذكر لأن الأرض على ما قيل : كانت مذئبة وقيل : لأنه سبع ضعيف حقير فنبه عليه السلام بخوفه عليه السلام عليه منه على خوفه عليه مما هو أعظم منه إفتراسا من باب أولى ولحقارة الذئب خصه الربيع بن ضبع الفزاري في كونه يخشاه لما بلغ من السن ما بلغ في قوله : والذئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرياح والمطرا وقيل : لأنه عليه السلام رأى في المنام أن ذئبا قد شد عليه فكان يحذره ولعل هذا الحذر لأن الأنبياء عليهم السلام لمناسبتهم التامة بعالم الملكوت تكون واقعاتهم بعينها واقعة وإلا فالذئب في النوم يؤول بالعدو .
وادعى بعضهم أنه عليه السلام ورى بالذئب عن واحد منهم فإنه عليه السلام أجل قدرا من أن لا يعلم أن رؤياه تلك من أي أقسام الرؤيا هي فإن منها ما يحتاج للتعبير ومنها ما لا يحتاج إليه والكامل يعرف ذلك وتعقب بأنه يحتمل أن يكون الأمر قد خفي عليه كما قد خفي مثل ذلك على جده إبراهيم عليه السلام وهو بناء على ما ذكره شيخنا ابن العربي قدس سره من أن رؤياه عليه السلام ذبح ولده من الرؤيا المعبرة بذبح كبش لكنه خفى عليه ذلك ولا يخفى ما فيه والمذكور في بعض الروايات أنه عليه السلام رأى في منامه كأنه على ذروة جبل وكأن يوسف في بطن الوادي فإذا عشرة من الذئاب قد إحتوشته تريد أكله فدرأ عند واحد ثم إنشقت الأرض فتوارى يوسف فيها ثلاثة أيام وأنا لم أجد لرواية الرؤيا مطلقا سندا يعول عليه ولا حاجة بنا إلى إعتبارها لتكلف الكلام فيها وبالجملة ما وقع منه عليه السلام من هذا القول كأن تلقينا للجواب من غير قصد وهو على أسلوب قوله سبحانه : ماغرك بربك الكريم والبلاء موكل بالمنطق