والحاصل أن الغلط في دعوى نبوتهم إنما جاء في ظن أنهم هم الأسباط وليس كذلك إنما الأسباط أمة عظيمة ولو كان المراد بالأسباط أبناء يعقوب لقال سبحانه ويعقوب وبنيه فإنه أبين وأوجز لكنه عبر سبحانه بذلك إشارة إلى أن النبوة حصلت فيهم من حين تقطيعهم أسباطا من عهد موسى عليه السلام فليحفظ .
هذا ولما نبه عليه السلام على أن لرؤياه شأنا عظيما وحذره مما حذره شرع في تعبيرها وتأويلها على وجه إجمالي فقال : وكذلك يجتبيك ربك أي يصطفيك ويختارك للنبوة كما روي عن الحسن أو للسجود لك كما روي عن مقاتل أو لأمور عظام كما قال الزمخشري فيشمل ما تقدم وكذا يشمل إغناء أهله ودفع القحط عنهم ببركته وغير ذلك ولعل خير الأقوال وسطها وأصل الإجتباء من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك وفسروه بالإختيار لأنه إنما يجتبي ما يختار .
وذكر بعضهم أن إجتباء الله تعالى العبد تخصيصه إياه بفيض إلهي يتحصل منه أنواع من المكرمات بلا سعي من العبد وذلك مختص بالأنبياء عليهم السلام ومن يقاربهم من الصديقين والشهداء والصالحين والمشار إليه بذلك إما الإجتباء لمثل تلك الرؤيا فالمشبه والمشبه به متغايران وإما لمصدر الفعل المذكور وهو المشبه والمشبه به وكذلك في محل نصب صفة لمصدر مقدر وقدم تحقيق ذلك وقيل هنا : إن الجار والمجرور خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك وليس الأمر كذلك ولا يخفى ما في ذكر الرب مضافا إلى ضمير المخاطب من اللطف وإنما لم يصرح عليه السلام بتفاصيل ما تدل عليه الرؤيا حذرا من إذاعته على ما قيل ويعلمك ذهب جميع إلى أنه كلام مبتدأ غير داخل تحت التشبيه أراد به عليه السلام تأكيد مقالته وتحقيقها وتوطين نفس يوسف عليه السلام بما أخبر به عن طريق التعبير والتأويل أي وهو يعلمك من تأويل الأحاديث أي ذلك الجنس من العلوم أو طرفا صالحا منه فتطلع على حقيقة ما أقول ولا يخفى ما فيه من تأكيد ما سبق والبعث على تلقي ما سيأتي بالقبول وعلل عدم دخوله تحت التشبيه بأن الظاهر أن يشبه الإجتباء بالإجتباء والتعليم غير الإجتباء فلا يشبه به ونظر فيه بأن التعليم نوع من الإجتباء والنوع يشبه بالنوع وقيل : العلة في ذلك أنه يصير المعنى ويعلمك تعليما مثل الإجتباء بمثل هذه الرؤيا ولا يخفى سماجته فإن الإجتباء وجه الشبه بين المشبه والمشبه به ولم يلاحظ في التعليم ذلك .
وقال بعض المحققين : لا مانع من جعله داخلا تحت التشبيه على أن المعنى بذلك الإكرام بتلك الرؤيا أي كما أكرمك بهذه المبشرات يكرمك بالإجتباء والتعليم ولا يحتاج في ذلك إلى جعله تشبيهين وتقدير كذلك وأنت تعلم أن المنساق إلى الفهم هو العطف ولا بأس فيما قرره هذا المحقق لتوجيه نعم للإستئناف وجه وجيه وإن لم يكن المنساق إلى الفهم والظاهر أن المراد من تأويل الأحاديث تعبير الرؤيا إذ هي إخبارات غيبية يخلق الله تعالى بواسطتها إعتقادات في قلب النائم حسبما يشاؤه ولا حجر عليه تعالى أو أحاديث الملك إن كانت صادقة أو النفس أو الشيطان إن لم تكن كذلك وذكر الراغب أن التأويل من الأول وهو الرجوع وذلك رد الشيء إلى المراد منه علما كان أو فعلا فالأول كقوله سبحانه : وما يعلم تأويله إلا الله والثاني كقوله .
وللنوى قبل يوم البين تأويل .
وجاء الأول بمعنى السياسة التي يراعى مآلها يقال : ألنا وايل علينا أه .
وشاع التأويل في إخراج الشيء عن ظاهره و الأحاديث جمع تكسير لحديث على غير قياس كما قالوا :