عليك أحسن ما يقص من الأنباء وهي قصة آل يعقوب عليه السلام ووجه أحسنيتها إشتمالها على حاسد ومحسود ومالك ومملوك وشاهد ومشهود وعاشق ومعشوق وحبس وإطلاق وخصب وجدب وذنب وعفو وفراق ووصال وسقم وصحة ورحل وارتحال وذل وعز وقد أفادت أنه لا دافع لقضاء الله تعالى ولا مانع من قدره وأنه سبحانه إذا قضى لإنسان بخير ومكرمة فلو أن أهل العالم إجتمعوا على دفع ذلك لم يقدروا وأن االحسد سبب الخذلان والنقصان وأن الصبر مفتاح الفرج وأن التدبير من العقل وبه يصلح أمر المعاش إلى غير ذلك مما يعجز عن بيانه بنان التحرير .
وقيل : إنما كانت أحسن لأن غالب من ذكر فيها كان مآله إلى السعادة وقيل : المقصود أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية لا قصة آل يعقوب فقط والمراد بهذا القرآن ما إشتمل على ذلك و أحسن ليس أفعل تفضيل بل هو بمعنى حسن كأنه قيل : حسن القصص من باب إضافة الصفة إلى الموصوف أي القصص الحسن والقول عليه عند الجمهور ما ذكرنا قيل : ولكونها بتلك المثابة من الحسن تتوفر الدواعي إلى نقلها ولذا لم تتكرر كغيرها من القصص وقيل : سبب ذلك من إفتتان امرأة ونسوة بأبدع الناس جمالا ويناسب ذلك عدم التكرار لما فيه من الإغضاء والستر وقد صح الحاكم في مستدركه حديث النهي عن تعليم النساء سورة يوسف وقال الأستاذ أبو إسحاق : إنما كرر الله تعالى قصص الأنبياء وساق هذه القصة مساقا واحدا إشارة إلى عجز العرب كأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال لهم : إن كان من تلقاء نفسي فافعلوا في قصة يوسف ما فعلت في سائر القصص وهو وجه حسن إلا أنه يبقي على أن تخصيص سورة يوسف لذلك يحتاج إلى بيان فإن سوق قصة آدم عليه السلام مثلا مساقا واحدا يتضمن الإشارة إلى ذلك أيضا بعين ما ذكر وقال الجلال السيوطي : ظهر لي وجه في سوقها كذلك وهو أنها نزلت بسبب طلب الصحابة أن يقص عليهم فنزلت مبسوطة تامة ليحصل لهم مقصود القصص من الإستيعاب وترويح النفس بالإحاطة ولا يخفى ما فيه وكأنه لذلك قال : وأقوى ما يجاب به أن قصص الأنبياء إنما كررت لأن المقصود بها إفادة إهلاك من كذبوا رسلهم الحاجة داعية إلى ذلك كتكرير تكذيب الكفار للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فكلما كذبوا أنزلت قصة منذرة بحلول العذاب كما حل بالمكذبين ولهذا قال سبحانه في آيات : فقد مضت سنة الأولين أو لم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن وقصة يوسف لم يقصد منها ذلك وبهذا أيضا يحصل الجواب عن تكرير قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وقصة موسى مع الخضر وقصة الذبيح ثم قال : فإن قلت : قد تكررت قصة ولادة يحيى وولادة عيسى عليهما السلام مرتين وليستمن قبيل ما ذكرت قلت الأولى في سورة كهيعص وهي مكية أنزلت خطابا لأهل مكة والثانية في سورة آل عمران وهي مدنية أنزلت خطابا لليهود ولنصارى نجران حين قدموا ولهذا إتصل بهذا ذكر المحاجة والمباهلة أه .
واعترض بأن قصة آدم عليه الصلام كررت مع أنه ليس المقصود بها إفادة إهلاك من كذبوا رسلهم وأجيب بأنها وإن لم يكن المقصود بها إفادة ما ذكر إلا أن فيها من الزجر عن المعصية ما فيها فهي أشبه قصة بتلك القصص التي كررت لذلك فافهم وإن كنت من قبله أي قبل إيحائنا إليك ذلك لمن الغافلين .
3 .
- عنه لم يخطر ببالك ولم يقرع سمعك وهذا تعليل لكونه موحي كما ذكره بعض المحققين والأكثر في مثله ترك