واحتج الجبائي بالآية على كون القرآن مخلوقا من أربعة أوجه : الأول وصفه بالإنزال والقديم لا يجوز عليه ذلك الثاني وصفه بكونه عربيا والقديم لا يكون عربيا ولا فارسيا الثالث أن قوله تعالى : إنا أنزلناه قرآنا عربيا يدل على أنه سبحانه قادر على إنزاله غير عربي وهو ظاهر الدلالة على حدوثه .
الرابع أن قوله عز شأنه : تلك آيات الكتاب يدل على تركبه من الآيات والكلمات وكل ما كان مركبا كان محدثا ضرورة أن الجزء الثاني غير موجود حال وجود الجزء الأول .
وأجاب الأشاعرة عن ذلك كله بأن قصارى ما يلزم منه أن المركب من الحروف والكلمات محدث وذلك مما لا نزاع فيه والذي ندعي قدمه شيء آخر نسميه الكلام النفسي وهو مما لا يتصف بالإنزال ولا بكونه عربيا ولا غيره ولا بكونه مركبا من الحروف ولا غيرها وقد تقدم لك في المقدمات ما ينفعك هنا فلا تغفل .
لعلكم تعقلون .
2 .
- أي لكي تفهموا معانيه وتحيطوا بما فيه من البدائع أو تستعملوا فيه عقولكم فتعلموا أنه خارج عن طوق البشر مشتمل على ما يشهد له أنه منزل من عند خلاق القوى والقدر وهذا بيان لحكمة إنزاله بتلك الصفة وصرح غير واحد أن لعل مستعملة بمعنى لام التعليل على طريق الإستعارة التبعية ومراده من ذلك ظاهر وجعلها للرجاء من جانب المخاطبين وإن كان جائزا لا يناسب المقام .
وزعم الجبائي أن المعنى أنزله لتعقلوا معانيه في أمر الدين فتعرفوا الأدلة الدالة على توحيده وما كلفكم به وفيه دليل على أنه تعالى أراد من الكل الإيمان والعمل الصالح من حصل منه ذلك ومن لم يحصل وفيه أنه بمعزل عن الإستدلال به على ما ذكر كما لا يخفى نحن نقص عليك أي نخبرك ونحدثك من قص أثره إذا إتبعه كأن المحدث يتبع ما حدث به وذكره شيئا فشيئا ومثل ذلك تلى أحسن القصص أي أحسن الإقتصاص فنصبه على المصدرية إما لإضافته إلى المصدر أو لكونه في الأصل صفة مصدر أي قصصا أحسن القصص وفيه مع بيان الواقع إيهام لما في إقتصاص أهل الكتاب من القبح والخلل والمفعول به محذوف أي مضمون هذا القرآن والمراد به هذه السورة وكذا في قوله D : بما أوحينا أي بسبب إيحائنا .
إليك هذا القرآن والتعرض لعنوان قرآنيتها لتحقيق أن الإقتصاص ليس بطريق الإلهام أو الوحي غير المتلو ولعل كلمة هذا للإيماء إلى تعظيم المشار إليه .
وقيل : فيها إيماء إلى مغايرة هذا القرآن لما في قوله تعالى : قرآنا عربيا بأن يكون المراد بذلك المجموع وفيه تأمل وأحسنيته لأنه قد قص على أبدع الطرائق الرائعة الرائقة وأعجب الأساليب الفائقة اللائقة كما لا يكاد يخفى على من طالع القصة من كتب الأولين وإن كان لا يميز الغث من السمين ولا يفرق بين الشمال واليمين وجوز أن يكون هذا المذكور مفعول نقص .
وصرح غير واحد أن الآية من باب تنازع الفعلين والمذهب البصري أولى هنا أما لفظا فظاهر وأما معنى فلأن القرآن كما سمعت السورة وإيقاع الإيحاء عليها أظهر من إيقاع نقص باعتبار إشتمالها على القصة وما هو أظهر بإعمال صريح الفعل فيه وفيه من تفخيم القرآن وإحضار ما فيه من الإعجاز وحسن البيان ما ليس في إعمال نقص صريحا وجوز تنزيل أحد الفعلين منزلة اللازم ويجوز أن يكون أحسن مفعولا به لنقص والقصص : إما فعل بمعنى مفعول كالنبأ والخبر أو مصدر سمي به المفعول كالخلق والصيد أي نقص