صلى الله تعالى عليه وسلم من هذا اللسان ما لم يقسم لأحد من فصحاء العرب فقد أخرج ابن عساكر في تاريخه عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال : يا رسول الله مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا قال : كانت لغة إسماعيل قد درست فجاء بها جبريل عليه السلام فحفظنيها فحفظتها وأخرج البيهقي من طريق يونس عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن أبيه من حديث فيه طول قال رجل : يا رسول الله ما أفصحك ما رأينا الذي هو أعرب منك قال : حق لي فإنما أنزل القرآن علي بلسان عربي مبين هذا وجوز أن يكون العربي منسوبا إلى عربة وهي ناحية دار إسماعيل عليه السلام قال الشاعر : وعربة أرض ما يحل حرامها من الناس إلا اللوذعي الحلاحل والمراد لغة أهل هذه الناحية واستدل جماعة منهم الشافعي رضي الله تعالى عنه وابن جرير وأبو عبيدة والقاضي أبو بكر بوصف القرآن بكونه عربيا على أنه لا معرب فيه وشدد الشافعي النكير على من زعم وقوع ذلك فيه وكذا أبو عبيدة فإنه قال : من زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول .
ووجه ابن جرير ما ورد عن ابن عباس : وغيره في تفسير ألفاظ منه أنها بالفارسية أو الحبشية أو النبطية كذا بأن ذلك مما إتفق فيه توارث اللغات وقال غيره : بل كان للعرب التي نزل القرآن بلغتهم بعض مخالطة لأهل سائر الألسنة في أسفارهم فعلقت من لغاتهم ألفاظ غيرت بعضها بالنقص من حروفها واستعملتها في أشعارها ومحاورتها حتى جرت مجرى العربي الفصيح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن .
وقال آخرون : كل تلك الألفاظ عربية صرفة ولكن لغة العرب متسعة جدا ولا يبعد أن تخفى على الأكابر الأجلة وقد خفي على ابن عباس معنى فاطر وفاتح ومن هنا قال الشافعي في الرسالة : لا يحيط باللغة إلا نبي .
وذهب جمع إلى وقوع غير العربي فيه وأجابوا عن الآية بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن العربية فالقصيدة الفارسية لا تخرج عن كونها فارسية بلفظة عربية .
وقال غير واحد : المراد أنه عربي الأسلوب واستدلوا بإتفاق النحاة على أن منع صرف نحو إبراهيم للعلمية والعجمة ورد بأن الأعلام ليست محل خلاف وإنما الخلاف في غيرها وأجيب بأنه إذا إتفق على وقوع الأعلام فلا مانع من وقوع الأجناس ونظر فيه واختر الجلال السيوطي القول بالوقوع واستدل عليه بما صح عن أبي ميسرة التابعي الجليل أنه قال : في القرآن من كل لسان وروي مثله عن سعيد بن جبير ووهب بن منبه .
وذكر أن حكمة وقوع تلك الألفاظ فيه أنه حوى علوم الأولين والآخرين ونبأ كل شيء فلا بد أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات لتتم إحاطته بكل شيء فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها إستعمالا للعرب وأيضا لما كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مرسلا إلى كل أمة ناسب أن يكون في كتابه المبعوث به من لسان كل قوم شيء وقد أشار إلى الوجه الأول ابن النقيب .
وقال أبو عبدالله القاسم بن سلام بعد أن حكى القول بالوقوع عن الفقهاء : والمنع عن أهل العربية الصواب تصديق القولين جميعا وذلك أن هذه الأحرف أصولها عجمية كما قال الفقهاء لكنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية ثم نزل القرآن وقد إختلطت هذه الأحرف بكلام العرب فمن قال : إنها عربية فهو صادق ومن قال : إنها عجمية فهو صادق ومال إلى هذا القول الجواليقي وابن الجزري وآخرون وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة إبراهيم عليه السلام ما يتعلق بهذا المبحث أيضا فليتفطن وليتأمل